Site icon Lebanotrend

معارضة “التيار” لتصحيح المسار- ربيع مسعد

التيار الوطني الحر اليوم، كما كان دائمًا، يثبت أنه تيار سيادي، وطني، وإصلاحي بامتياز، لا يساوم على المبادئ ولا يبدّل قناعاته وفق المصالح السياسية أو الضغوط الداخلية والخارجية.

في كل محطة، سواء كان في الحكم أو في المعارضة، أثبت التيار أنه الرقم الصعب في المعادلة الوطنية، القادر على اتخاذ المواقف الجريئة دون تردد، والمستعد لدفع أثمان خياراته السياسية مهما كانت التحديات.

واليوم، مع تشكيل الحكومة الجديدة، يعلن التيار بكل وضوح رفضه لهذه التشكيلة الاستنسابية المجحفة، ويؤكد أنه أصبح حكمًا في موقع المعارضة، لكنه يختار أن تكون معارضته إيجابية، بنّاءة، هادفة، لا معارضة غوغائية أو عبثية، بل معارضة مسؤولة قائمة على أسس واضحة تهدف إلى تصحيح المسار السياسي والحكومي في لبنان.

إن موقف التيار الوطني الحر من الحكومة الجديدة ليس موقفًا ارتجاليًا أو مبنيًا على حسابات ضيقة، بل هو موقف نابع من رؤية وطنية واضحة تستند إلى معايير دستورية وسياسية وميثاقية راسخة.

فكيف يمكن القبول بحكومة لم تحترم الحد الأدنى من التوازن الوطني، ولا تمثل القوى السياسية المسيحية بشكل منصف، في حين أن باقي المكونات الطائفية حصلت على حقوقها كاملة؟ كيف يمكن القبول بحكومة تشكّلت بمعايير استنسابية، حيث سمّت كل طائفة ممثليها، باستثناء المسيحيين الذين جرى تهميش دورهم ومحاولة فرض خيارات عليهم لا تعبر عن إرادتهم السياسية؟

أضف إلى ذلك أن التيار، الذي اختبر التجربة الحكومية في أصعب الظروف، يدرك جيدًا أن أي حكومة لا تستند إلى شراكة وطنية فعلية وتوازن عادل في توزيع الحقائب والتمثيل، ستواجه تحديات كبرى في تنفيذ أي إصلاح أو تحقيق أي إنجاز يُذكر! من هنا، جاء رفض التيار لهذه الحكومة ليس لعرقلتها، بل لوضع الأمور في نصابها، ولتوجيه رسالة واضحة بأن أي تجاوز للأصول الميثاقية والدستورية لن يمرّ من دون اعتراض قوي ومدوٍ.

على الرغم من هذا الرفض، يحرص التيار الوطني الحر على ممارسة دوره بطريقة مسؤولة، بعيدة عن المزايدات أو العرقلات العبثية، فقد أعلن رئيس التيار النائب جبران باسيل، أن المعارضة التي سيتبعها التيار ستكون إيجابية وبنّاءة، لا تهدف إلى إفشال الحكومة بل إلى تصحيح أدائها، وذلك انطلاقًا من قناعاته بأن لبنان لا يمكن أن ينهض إلا من خلال العمل الجاد على إنجاز الإصلاحات الضرورية، ومعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة.

فالتيار، الذي رفض الدخول في حكومة لا تعبّر عن قناعاته ولا تعكس التوازن الوطني المطلوب، سيعمل على محاسبة الحكومة بموضوعية، وسينظر إلى أدائها في كل ملف على حدة، وسيدعم أي خطوة إيجابية تخدم المصلحة العامة، لكنه في المقابل لن يتوانى عن التصدي لأي قرار أو سياسة تتعارض مع المبادئ التي يناضل من أجلها.

لم يأتِ موقف التيار من فراغ، بل هو مرتبط بمجموعة من الملفات الأساسية التي ستكون محور المواجهة مع الحكومة الجديدة، والتي أعلن باسيل أنها ستكون محل متابعة حثيثة من قبل التيار، سواء عبر لجانه المتخصصة أو من خلال كتلته النيابية، ومن أبرز هذه الملفات:

1. اللامركزية المالية والإدارية الموسّعة
هذه القضية كانت ولا تزال مطلبًا أساسيًا للتيار، وهي جزء من مشروعه الوطني لإعادة بناء الدولة بطريقة تحقق التنمية المتوازنة وتعزز استقلالية الإدارات المحلية. التيار سيحاسب الحكومة على مدى التزامها بهذا الطرح، خصوصًا بعد أن عبّر رئيسها عن تأييده له، وبالتالي فإن أي تراجع عن هذا الالتزام سيواجَه بموقف صارم وحازم.

2. تنفيذ القرار 1701 بالكامل
بعدما وافق الثنائي الشيعي على هذا الطرح، لم يعد هناك أي مبرر لعدم تنفيذه، وهو أمر أساسي لضمان سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها ومنع أي محاولات لاستغلال الأوضاع الأمنية لفرض أجندات خارجية.

3. الإصلاح المالي والاقتصادي وحماية أموال المودعين
التيار الوطني الحر كان أول من طرح ضرورة التدقيق الجنائي ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، وهو لن يتراجع عن هذا المطلب، وسيواجه أي محاولة لشطب أموال المودعين أو تحميل الخسائر لصغار المودعين بدلًا من محاسبة كبار الفاسدين الذين نهبوا أموال الدولة والشعب.

4. انفجار مرفأ بيروت وكشف الحقيقة
التيار سيبقى إلى جانب أهالي الضحايا في مطالبتهم بالعدالة، وسيعمل على كشف الحقيقة ومنع أي محاولة لطمس التحقيقات أو عرقلتها، وسيراقب أداء الحكومة في هذا الملف الحساس.

5. رفض التوطين وعودة النازحين السوريين
التيار يرفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال التوطين، سواء للفلسطينيين أو للنازحين السوريين، وهو سيضغط باتجاه تطبيق سياسة واضحة لإعادة النازحين بطريقة آمنة وكريمة، بعيدًا عن أي شروط تعسفية تفرضها بعض الجهات الدولية.

6. إجراء الانتخابات البلدية والنيابية في مواعيدها
الحكومة مسؤولة عن ضمان إجراء الانتخابات في مواعيدها وفق القوانين المرعية، وأي محاولة لتغيير القوانين بطريقة تمسّ بالتوازن السياسي والتمثيلي، ستواجَه بمعارضة قوية من قبل التيار.

إضافةً إلى هذه الملفات، سيكون للتيار مواقف واضحة من كل القضايا المتعلقة بالإصلاح الإداري، والصحة، والتربية، والطاقة، وضبط الحدود البرية والبحرية، وغيرها من الملفات الحيوية التي تمسّ حياة اللبنانيين اليومية.

التيار الوطني الحر أثبت في كل المحطات المفصلية أنه تيار مستقل بقراره، سيادي في مواقفه، لا يخضع لأي إملاءات داخلية أو خارجية.

وقد أكد باسيل في كلمته أن التيار لم يتلقَّ تعليمات من أحد، لا من الداخل ولا من الخارج، وهو ليس من “جماعة السحسوح” التي تتبدّل مواقفها وفق المصالح الضيقة!

التيار يبقى وفياً لشعاره التاريخي: “حرية، سيادة، استقلال”، ويؤكد اليوم أكثر من أي وقت مضى أنه لن يكون شاهد زور على أي تسوية تهدر حقوق اللبنانيين، ولن يقف متفرجًا على محاولات تقويض التوازنات الوطنية وإعادة إنتاج نهج التهميش والإقصاء.

التيار الوطني الحر، وهو يعلن معارضته لهذه الحكومة، لا ينطلق من منطلقات كيدية أو نكايات سياسية، بل من رؤية واضحة تهدف إلى بناء دولة قوية عادلة تحترم حقوق جميع مكوناتها! سيكون في المعارضة حيث يجب أن يكون، وسيدعم أي خطوة إيجابية تقوم بها الحكومة، لكنه في الوقت نفسه لن يتردد في مواجهة أي تجاوزات أو قرارات تمسّ بالمصلحة الوطنية.

وكما قال باسيل مقتبسًا من نجيب محفوظ: “غيابٌ تحفظُ فيه كرامتك، أفضل من حضورٍ تفقد فيه قيمتك.” التيار لم يرضَ بأن يكون شريكًا في حكومة فاقدة للمعايير العادلة، لكنه في الوقت نفسه لن يكون غائبًا عن المشهد السياسي، بل سيكون في صلب المعركة، يراقب، يحاسب، ويواجه، ليبقى الرقم الصعب في المعادلة الوطنية.