عماد مرمل-
ما ان غادر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بيروت حتى تدفقت التفسيرات والقراءات المتضاربة لنتائج زيارته ومغزاها، لا سيما انّ ضبابية الوضع تسمح بإطلاق العنان لاجتهادات شتى… فما هي حقيقة مهمته اللبنانية؟
اللافت انّ جولة هوكشتاين الجديدة أتت في «مرحلة انتقالية» تقع بين احتمال التوصّل إلى هدنة في غزة والجنوب واحتمال استمرار الحرب على الجبهتين. وبالتالي، فإنّ هذه اللحظة الرمادية لا تبدو هي الأمثَل لرسم معالم «اليوم التالي» في لبنان، خصوصاً انّ «حزب الله» لا يزال متمسّكاً بربط التهدئة عند الحدود الجنوبية بوقف العدوان على غزة.
وليس معروفاً حتى ما إذا كان مجرد التوصّل إلى هدنة في غزة سيكون كافياً لإطلاق مسار البحث في الحل الطويل الأمد لبنانياً، والذي أشار اليه هوكشتاين في تصريحه بعد لقائه الرئيس نبيه بري، إذ انّ إمكانية استئناف الاحتلال الإسرائيلي لحربه على غزة بعد انتهاء الهدنة المفترضة، من شأنها ان تُبقي يد الحزب على الزناد في الجنوب، وفق قاعدة «إذا عدتم عدنا».
كذلك، كان لافتاً انّ هوكشتاين نفسه اعتبر انه ليس من الضروري أن تمتد تلقائياً اي هدنة في غزة الى الجنوب، وهو تَقاطعَ بذلك مع موقف مُشابه سبق أن أعلن عنه وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت.
من هنا، غالب الظن انّ الحزب لن يفتح باب مناقشة مستقبل الوضع على الحدود مع فلسطين المحتلة قبل أن يتحقق وقف إطلاق النار الدائم في غزة، فيما يبدو أنّ الأميركي والاسرائيلي يضغطان لفك الالتزام والتلازم بين الساحتين.
وتكشف مصادر سياسية واسعة الاطلاع انّ هوكشتاين يسعى الى «تجزئة الحل» في الجنوب، بمعنى تأجيل البَت في مصير نقطة الـ b1 وملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة الى مرحلة لاحقة، والاكتفاء راهناً بمعالجة بعض النقاط الحدودية المتنازع عليها كدفعة على الحساب في مقابل إيجاد ترتيبات جديدة على الجانب اللبناني من الحدود تُغيّر الواقع الحالي، فيكون بذلك الثمن المدفوع للبنان أقل مما يستحقه في مقابل الترتيبات الجديدة.
وتشير المصادر المواكِبة عن قرب لتحرّك هوكشتاين الى انّ هناك في الاوساط الرسمية اللبنانية مَن يدعو إلى حل نهائي يتضمن استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا على قاعدة ان هذا هو المدخل الالزامي لتحقيق استقرار مستدام، في حين انّ أنصاف الحلول لا تحقق الإنصاف ولا الاستقرار، بل هي ترقيع بترقيع.
ووفق المصادر، فإنّ هوكشتين ليس على تناغم مع بعض الاتجاهات في الإدارة الأميركية، مؤكدة وجود نفور بينه وبين اوساط معينة في الخارجية الأميركية، وذلك بسبب نزعته الى احتكار الملفات التي يتولاها بعيداً من مفهوم المشاركة.
وتشير المصادر المطلعة على ما يدور في الكواليس الدبلوماسية الخارجية الى انّ هناك تقديرات متفاوتة في شأن النتيجة التي ستُفضي اليها المفاوضات حول الهدنة في غزة، لكن الأمر الوحيد المؤكد هو انّ الطرف الأميركي وحده قادر على فرضها اذا اراد، وبالتالي السؤال المطروح الآن: هل تريد واشنطن حقاً الوصول إلى هدنة والى اي حدود هي مستعدة للضغط على بنيامين نتنياهو من أجل دَفعه الى القبول بها؟
وتوضح المصادر انّ الإشارات التي تتلقّاها بيروت تفيد بأن الاسرائيليين سيواصلون المعركة ضد «حزب الله» بمعزل عن أي تهدئة في غزة، الا انّ هذه الإشارات غير نهائية، ومن الأفضل التعامل مع الأمور على اساس كلّ يومه بيومه وسط هذه الظروف المتحركة.