Site icon Lebanotrend

ماذا كشفت معركة الحدود الشرقية؟

عماد مرمل-

فتحت المواجهة العنيفة على الحدود الشرقية مع سوريا الباب أمام تساؤلات شتى حول أبعادها واستهدافاتها ودلالاتها ومآلاتها، وسط احتمالات مستقبلية غامضة تستوجب أعلى جهوزية رسمية، ديبلوماسياً وعسكرياً، لمنع الأسوأ.
وضعت معركة الحدود الشرقية الدولة اللبنانية أمام تحدٍ إضافي لإثبات جدارتها في حماية شعبها وسيادتها، إلى جانب الاختبار الآخر الذي تخضع له في الجنوب، بغية إثبات الأمر نفسه في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701.

وبمقدار ما تشكّل التطوّرات على الحدود مع سوريا وفلسطين المحتلة تهديداً للاستقرار، فهي تنطوي في الوقت نفسه على فرصة للدولة التي يُعاد تكوينها، من أجل استعادة الثقة في نفسها وثقة اللبنانيِّين فيها إذا عرفت كيف تتعامل مع هذا التهديد.

ووفق مصادر رسمية واسعة الإطّلاع، كشفت المعركة مع مسلحي «هيئة تحرير الشام» الحقائق الميدانية والسياسية الآتية:

– إنّ سقوط ثلاثة قتلى سوريِّين داخل الأراضي اللبنانية، وهم مُهرِّبون كما أكّد وزير الدفاع، لم يكن يستوجب من الجانب السوري هذا الهجوم الواسع والقصف العشوائي على بلدات لبنانية متاخمة للحدود، وبالتالي كانت هناك مبالغة غير مبرّرة في الردّ، بينما كان في الإمكان إبقاء الحادثة محصورة في نطاقها الحقيقي وتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة كل ملابساتها.

– كانت السلطة اللبنانية قد أعطت إشارات إيجابية حول استعدادها للتعاون مع السلطة الجديدة في دمشق والانفتاح عليها، ومن بين تلك الإشارات لقاء رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع نظيره السوري أحمد الشرع على هامش القمة العربية الأخيرة، وزيارة الرئيس نجيب ميقاتي عندما كان يتولّى رئاسة الحكومة لدمشق، وبالتالي كان يُفترَض بالإدارة السورية أن تتفاعل على نحو مختلف مع هذه الإيجابية بدل أن تتصرّف بانفعال.

– على رغم من ترويج «هيئة تحرير الشام» بأنّ القتال هو مع «حزب الله»، إلّا أنّ الوقائع تؤكّد أنّ الحزب كتنظيم عسكري لم يُشارك في الاشتباكات، بل إنّ أبناء البلدات المستهدفة هم الذين لجأوا إلى الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم قبل أن يتدخّل الجيش اللبناني لاحقاً.

– إنّ الوقائع الميدانية أظهرت أنّ لدى الطرف السوري القدرة على حشد أعداد كبيرة من المقاتلين وصلت إلى الآلاف، ويمكنها أن تتجاوز سقف الـ 15 ألفاً، بينما يكمن التفوّق الأساسي لدى الجيش في نوعية القتال ودقّة الاستهداف. وهذا ما عكسه نجاح عمليات التنسيق بين طائرات «سيسنا» وسلاح المدفعية في إصابة الأهداف المحدّدة.

– تبيّن خلال الاتصالات التي تمّت في اليومَين الأولَين بين القيادتَين العسكريّتَين اللبنانية والسورية سعياً إلى احتواء الوضع، أنّ الجانب السوري كان يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر، أي أنّه كان يوحي في الظاهر بأنّه متجاوِب مع التهدئة لكنّه على الأرض لا يتقيّد بها.

– إنّ الجيش حصل على قرار سياسي واضح وحاسم من القائد الأعلى للقوات المسلحة ممثلاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بوجوب الردّ على مصادر النيران، الأمر الذي ترجمته الوحدات العسكرية بالانخراط الكامل في المعركة دفاعاً عن الأراضي اللبنانية المهدَّدة وسكانها، وهو أوصل إلى الجانب الآخر رسالة عملياتية لا لبس فيها بأنّه في أعلى جهوزية للردّ على أي اعتداء.

– شكّلت الأحداث على الحدود الشرقية اختباراً جديداً للجيش ولأهليّته في حماية السيادة والمدنيِّين، ولم يكن أمامه سوى النجاح في هذا الامتحان حتى يُعيد للدولة بعضاً من دورها وهيبتها.