Site icon Lebanotrend

لا مبالاة سياسيّي طرابلس… تُنتج مجلساً بلدياً هجيناً

الأخبار: لينا فخر الدين-

لم تختلف نتائج انتخابات بلديّة طرابلس عمّا كان متوقّعاً. ولم يؤدِّ انتظار انتهاء عمليّات الفرز أكثر من ثلاثة أيّام متواصلة إلى مشهدٍ آخر.

 

إذ إنّ كثرة الترشيحات الموزعة على ست لوائح (بعضها غير مكتمل)، من دون مشاريع إنمائية وائتلاف متجانس تحت عنوان واحد، يُضاف إليها غياب العناوين السياسيّة، أدّى إلى انخفاض الإقبال على الاقتراع (لم تتعدَّ 27%)، ما أنتج مجلساً بلدياً هجيناً لا يُمكن لأي طرف إعلان «أُبوّته» له، أو حتّى تسجيل انتصارٍ على الطرف الآخر.

 

ففي الأصل، لا يُشبه المجلس البلدي مدينته، بعدما حُجب التمثيل المسيحي بفعل عدم إقبال الجمهور المسيحي على الاقتراع، فيما حضر التمثيل العلوي بـ«الستروبيا». وإذا كان العلويون والمسيحيون يُعدّون من الأقليّات، فإنّ غياب النساء، الذين يشكلون أكثر من نصف عدد الهيئة الناخبة، للمرّة الأولى منذ عام 2004، جاء فجّاً.

 

وكانت صناديق الاقتراع قد أفرزت فوز لائحة «رؤية طرابلس» (المدعومة من النواب: فيصل كرامي وأشرف ريفي وطه ناجي وكريم كبّارة) بـ 12 عضواً، ولائحة «نسيج طرابلس» (المدعومة من النائب إيهاب مطر ومجموعة «عمران» التي تجمع رجال أعمال سُنّة من المدينة، إضافةً إلى مجموعات محسوبة على الجو الإسلامي) بـ 11 عضواً، ولائحة «حراس المدينة» بعضو واحد.

 

ويُرجح، بحسب متابعين، انضمام إبراهيم العبيد من «حراس المدينة» إلى «نسيج طرابلس» باعتباره أقرب إليها.

 

وبالتالي، سيكون المجلس موزّعاً على 12 لصالح لائحة النواب الأربعة و12 لصالح منافستها، ما يعني عدم امتلاك أي جهة النصف زائداً واحداً. ويعني ذلك أن الطرفين لا قدرة لهما على حسم هوية رئيس البلدية، عدا عن الكباش المتوقع اندلاعه، في إعادةٍ لمشهد بلدية 2016، التي تشبه تركيبتها الهجينة المجلس الحالي، ما قد يؤدي في النهاية إلى إطاحة المجلس برمته، في حال عدم تشكُّل تحالفات جديدة وثابتة داخله.

 

«تعا ولا تجي»

كلّ ذلك مردّه إلى تعاطي معظم سياسيي المدينة مع هذا الاستحقاق على قاعدة «تعا ولا تجي»، وهو ما يؤكّده مسار تركيب اللوائح والتوافق، على مدى الأسابيع التي سبقت عمليّة الاقتراع، وبدا مختلفاً عن أداء الزعماء السابقين، وعلى رأسهم الرئيس الرّاحل عمر كرامي. فماذا حصل؟

 

فعلياً، كانت غالبية الشخصيات السياسية والأحزاب الموجودة في طرابلس ترغب في تجنّب المعركة، عبر توافقٍ عريض بلائحة مُوحّدة، ما كان سيُبعدُ «الكأس المُرّة» عنهم، أكان عبر تفادي الإحراج بالاصطفاف خلف المرشحين أو حتّى صرف المال السياسي وتشغيل ماكيناتهم الانتخابيّة قبل عامٍ واحد من المعركة النيابيّة، ما قد يُدفّعهم ثمناً في الاستحقاق المقبل.

 

غاب التمثيل المسيحي والنسائي عن المجلس البلدي

وعليه، تصرّفت هذه القوى السياسيّة ببرودة مُطلقة، واتفق الجميع ضمنياً على مباركة جميع المرشّحين من دون الانخراط الفعلي. كانت الأمور «ورديّة» حتّى بدأت المعسكرات الانتخابيّة تظهر على العلن بترشّح رجل الأعمال فيصل البقار في مواجهة العميد المتقاعد محمّد الفوّال المحسوب على رجل الأعمال طارق فخر الدين، الذي يُعد قريباً من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي.

 

ولكن لم يستسغ الشارع الطرابلسي الترشيحين. إذ اعتبر أن صغر سنّ البقار، رغم حسن سيرته، لا يتيح له تحمّل مسؤولية المجلس البلدي في مدينة كطرابلس، فيما بدت مقبوليّة الجمهور الطرابلسي للفوّال ضئيلة.

 

اندفاعة المجتمع الأهلي لرفض الترشيحين معاً من دون إيجاد مرشح بديل قادر على مواجهتهما، أدارت ماكينات السياسيين الذين بدأوا البحث عن اسم توافقي قادر أن «يقوم بالحمل»، ويخوض المعركة وحيداً، من دون تعاون جدي من قبلهم، والاكتفاء بالمباركة المعنويّة.

 

حينها، وقع الاختيار على النّاشط السياسي، الدّكتور خلدون الشريف، الذي شغل مواقع سياسيّة ومعروف لدى أهالي المدينة وفاعلياتها. وبالفعل، كان الشريف أشبه بفرصةٍ للمدينة تتمثّل بحنكته وانفتاحه على معظم القوى السياسيّة في طرابلس، إضافةً إلى علاقاته العنكبوتيّة مع الدول العربيّة والغربيّة التي تسهّل تمويل المشاريع الإنمائية للمدينة، وامتلاكه لرؤية إنمائيّة متكاملة، كما قدرته على تشكيل مجموعة متجانسة تُعاونه في البلديّة.

 

كاد هذا الترشيح أن يسلك الطريق الصحيح، إلّا أنّ النقاط الخمس التي وضعها الشريف لم تُلبَّ، وهي: التوافق العريض لضمان تمثيل أبناء المدينة بشتّى انتماءاتهم ووصول فريق متجانس تحت سقف مشروع إنمائي واحد يأخذ على عاتقه تنفيذ المشاريع والقدرة على التخاطب مع الجهات المانحة الخارجيّة، إضافةً إلى ضرورة تمثيل النساء (ستة مقاعد على الأقل) والأقليّات، وتعهّد السياسيين بتشغيل ماكيناتهم الانتخابية بما يضمن هذا التمثيل، على اعتبار أنّه لا يخشى الخسارة بقدر ما كان يخشى الفوز من دون مجلس يعكس صورة «الفيحاء».

 

ولذلك، فتح رفض السياسيين للنقاط الخمس، الباب أمام ست لوائح و186 مرشحاً من دون عناوين سياسيّة أو إنمائيّة ولا حتّى ماكينات انتخابيّة تعمل فعلياً (باستثناء ماكينتي كرامي وجمعيّة المشاريع، اللتين عملتا وحيدتين يوم الاقتراع). وفيما اصطف النوّاب الأربعة «صورياً» خلف لائحة «رؤية»، قرّر مطر الانضواء في مشروع مجموعة «عمران» من دون أن يكون في مقدوره فرض اسم الرئيس، قبل أن ينكث مطر بوعده لـ«عمران» بماكينة انتخابيّة فاعلة. وهو ما أدّى إلى إصدار «نسيج» بيانَين متتاليَين، أكّدت فيهما عدم ارتباطها سياسياً بأي جهة، في ما بدا أنه ثأر من مطر.

 

خوف معظم السياسيين من المواقف الحاسمة يتبدّى أيضاً في عمليّة إقالة محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، على اعتبار أنّه رغم المخالفات الواضحة للعيان التي شابت عهده، لم يتجرأ سياسيو المدينة ومسؤولوها، بدءاً من ميقاتي مروراً بوزير الدّاخلية السابق بسام مولوي ووصولاً إلى نوّاب المدينة، في العمل جدياً على إقالته، بل تُرك الأمر إلى وزيرٍ من خارج طرابلس.

 

في الخُلاصة، أفرز واقع طرابلس الأهلي والسياسي مجلساً غير منسجم، من غير الواضح كيف سيتصدى أعضاؤه للتحديات التي تنتظره من مخالفات المولدات الكهربائية والبسطات والأملاك العامّة و…، التي تتطلب معالجتها توافقاً داخلياً وتحصيناً أمنياً وسياسياً. وسيكون تحدّي انتخاب رئيس للبلدية مفصلاً أساسياً سيُحدّد مسار الأمور، من دون أن يظهر حتّى السّاعة أي خرقٍ حقيقي أو تعاون جدي أو ضغط سياسي، يؤدّي إلى انتخابات سلسة لرئيس البلديّة.

 

اقتراح قانون بفصل جبل محسن عن باب التبانة في «المختَرة»

أعادت الانتخابات الاختياريّة في طرابلس مشهد جولات العنف العشرين التي اندلعت بين باب التبانة وجبل محسن بين عامي 2012 و2014. الهدوء الذي استمرّ 11 عاماً سُرعان ما هدّدته «صناديق المخترة»، التي أظهرت نتائجها الأوّلية فوز جبل محسن (ذي الغالبيّة العلويّة) بحصة مخاتير أكبر من تلك التي حصلت عليها باب التبّانة (ذي الغالبيّة السنيّة). وهي سابقة غير معهودة في المدينة، أنتجها الإقبال العلوي على صناديق الاقتراع (وصل إلى أكثر من 35%)، خلافاً للوضع في التبانة.

 

ورغم تغيّر النتائج النهائيّة التي وزّعت المخاتير مناصفةً (7 – 7)، إلّا أنّها لم تُهدّئ الشارع، لشعور أبناء باب التبانة بالإجحاف على اعتبار أنهم أكثر عددياً.

 

ولذلك، سيطر التوتّر على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن ينتقل إلى الأرض، وتحديداً إلى خطوط التماس التقليديّة بين المنطقتين. وهو ما استدعى تدخّل فاعليات المنطقتين، وإجراءات أمنية استثنائية فرضها الجيش ليلاً في المدينة.

 

وكما حصل على الأرض، كذلك في الغرف المغلقة، حيث اجتمعت الفاعليات لإيجاد خطّة لتحاشي تكرار هذه السابقة، إلّا أنّ الحلّ أتى من «الصنائع»، بعدما تقدّم وزير الدّاخلية والبلديات أحمد الحجّار، أمس، باقتراح قانون يقضي بفصل جبل محسن عن باب التبانة، واعتبارهما حيين منفصلين، يكون لكلّ حي فيهما عدد محدّد من المخاتير، على أن تكون حصّة جبل محسن مُحدّدة بـ 7 مخاتير، مقابل 14 مختاراً لباب التبانة.

 

وتضمّن الاقتراح آلية استثنائية سيتم السير فيها لمرّة واحدة فقط (حالياً)، من أجل رفع حصّة مخاتير باب التبانة، عبر تعيين مختارين من أوّل الخاسرين إلى حين الانتخابات المقبلة.

 

ونوّه النّاشط والمختار السابق لجبل محسن عبد اللطيف صالح بهذا القرار. وقال لـ«الأخبار»: «إنّنا دائماً ما نادينا بهذا الاقتراح»، مؤكّداً أنّ «هذه الآلية تنطبق فقط على المخاتير، ولا تنسحب على البلدية، إذ إنّنا لا نريد أن ننسلخ عن محيطنا وأهلنا في طرابلس».

 

كما أكد أنّ «الهدوء عاد إلى المنطقة بعد الاتصالات السريعة التي قدناها لحرصنا على السلم الأهلي والعيش المشترك، رغم الشتائم التي سمعناها، علماً أنّ غالبيّة أهالي الجبل انتخبوا مرشحين سنّة وعلويين في البلدية والمخترة، وخطابنا ليس طائفياً».

 

شكوكٌ بانتخابات سير!

على مدى ثلاثة أيّام، استمرّت عمليّات فرز أصوات الانتخابات البلدية في طرابلس، على وقع احتجاجات واسعة في المدينة، وسط تخوف من حصول تزوير نتيجة بدائية الفرز وعدم مهنية المسؤولين عن أقلام الاقتراع. وهو ما أدّى إلى زيارات متكرّرة لوزيري الداخلية والعدل إلى سرايا طرابلس لمراقبة الفرز.

 

ورغم صدور النتائج، إلّا أنّ الاتّهامات بحصول شوائب لم تخفت، وهو أيضاً ما يحصل في سير الضنيّة، حيث تثار شكوك جديّة وتساؤلات عمّا حصل يوم الأحد، مع ما رافق عمليّة الاقتراع من تنظيم محاضر رسمية (لم تستكمل) بعد شكوك بعمليّات رشاوى داخل «مدرسة سير الرسميّة».

 

وتزداد الشكوك لدى لائحة «سير أوّلاً» التي كانت تواجه لائحة «نبض سير»، بعدما تبيّن لها أن الكاميرات المثبتة داخل المدرسة لا تعمل، إضافةً إلى توجّه فريق عمل تقني إلى المدرسة بعد ساعاتٍ على إقفال صناديق الاقتراع، بحجّة صيانتها، قبل أن يتم منعه من الاستمرار في عمله من قبل بعض الأهالي.

 

ويُضاف إلى ما سبق التساؤلات حول أسباب انقطاع الإنترنت والتواصل بين مراكز الاقتراع وماكينة «نبض سير»، بعدما أشارت النتئاج الأوليّة إلى خرق لصالح لائحة «سير أوّلاً»، علماً أنّ الأخيرة لم تكن تمتلك ماكينة انتخابيّة على الأرض بسبب تشكيل اللائحة قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات. وغياب الماكينة وعدم تمرّسها ظهر عبر موافقة عدد من مندوبيها على التوقيع على محاضر الفرز، قبل أن تبدأ عمليّة الفرز!