عماد مرمل-
إجتماعان عقدتهما لجنة الميكانيزم حتى الآن في حضور تمثيل مدني للجانبين اللبناني والاسرائيلي، من دون أن يؤدي رفع «رتبة» المفاوضين بعد إلى أي نتائج على مستوى تهدئة الواقع الميداني ومعالجة الملفات الشائكة.
ربما يعتبر البعض انّه لا يزال من المبكر الحكم على تجربة تطعيم الميكانيزم بمدنيين، وانّه لا بدّ من إعطائها الوقت اللازم قبل تحديد جدواها من عدمه. لكن إذا تمّ الاستناد في تكوين الانطباعات الأولية إلى مقولة انّ «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، فإنّ المؤشرات لا تبشّر بالخير، ولا توحي بإمكان إحداث اختراقات إيجابية ونوعية لمصلحة لبنان قريباً.
ولعلّ مكمن الخلل الأساسي الذي من شأنه أن ينعكس على توازنات العملية التفاوضية، يتمثل في تمكّن العدو الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى لبدء مهمّة المدنيين، من فرض أمر واقع على لبنان قوامه الفصل بين دور الميكانيزم بحلّتها الجديدة وبين المسار العسكري لجيش الاحتلال، الذي يواصل اعتداءاته على المناطق اللبنانية من غير أن يشعر انّه معني بأن يقدّم للسلطة السياسية في بيروت أي شيء مقابل موافقتها على «ترقية» تمثيلها في لجنة الإشراف والمراقبة إلى مستوى ديبلوماسي عبر السفير السابق سيمون كرم، الذي بات هو من يترأس الوفد اللبناني إلى اجتماعات الناقورة.
بل إنّ استعادة شريط الأحداث تُظهر أنّ تل ابيب لجأت إلى شن موجة اعتداءات واسعة «على كعب» التطور التفاوضي، أي بعد ساعات قليلة من انعقاد اول اجتماع للميكانيزم بمشاركة كرم، ثم واصلت ضرباتها المتنقلة قبل الاجتماع الثاني وبعده، بغية تثبيت معادلة التفاوض تحت النار، وعدم منح لبنان فرصة لالتقاط الأنفاس او لإدخال أي تعديل على قواعد الاشتباك الأحادية الجانب. وهناك من يفترض انّه كان يتوجب على الطرف الرسمي اللبناني انتزاع ولو تهدئة مرحلية، مقابل قبوله بتقديم تنازل إضافي من خلال ضمّ السفير كرم إلى مفاوضات الميكانيزم، بدلاً من أن تكون خطوته مجانية بكاملها.
وأبعد من هذه المسألة، تعكس المواقف الصادرة عن الأميركيين والإسرائيليين، اختلاف أجندتهما عن تلك التي يحملها لبنان إلى اجتماعات الناقورة، ما يؤشر إلى وجود «فجوة تفاوضية» لن يكون من السهل سدّها، خصوصاً أنّ ما يصدر عن تل ابيب يُظهر أنّ لديها نيّات لم تعدّ مضمرة، لجرّ لبنان إلى ما يتجاوز السقف الأمني الذي رسمه لنفسه.
إذ، وفيما شدّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في أكثر من مناسبة، على أنّه طلب من كرم التمسك بأولويات إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من المنطقة الحدودية ولجم الانتهاكات لاتفاق وقف الأعمال العدائية وإطلاق الأسرى وعودة السكان واعادة الإعمار، أعلن مكتب بنيامين نتنياهو بعد الاجتماع الأخير في الناقورة، عن أنّه تمّ البحث في سبل الدفع بمبادرات اقتصادية مع لبنان، معتبرًا أنّ هذه المبادرات تُبرز المصلحة في إزالة تهديد «حزب الله» ونزع سلاحه.
كذلك، أفادت السفارة الأميركية في بيان، انّ المشاركين المدنيين ركّزوا على تهيئة الظروف للعودة الآمنة للسكان إلى منازلهم، ودفع جهود إعادة الإعمار، ومعالجة الأولويات الاقتصادية. وأكّدوا أنّ التقدّم السياسي والاقتصادي المستدام ضروري لتعزيز المكاسب الأمنية وترسيخ سلام دائم.
بناءً عليه، يبدو واضحاً من الالتباسات والتباينات في تظهير جدول الأعمال، انّ ما يريده لبنان من المفاوضات مغاير لما تبتغيه الإدارة الأميركية والقيادة الإسرائيلية اللتان ستحاولان استدراجه إلى نقاشات خارج إطار ضوابطه السياسية والوطنية، فهل يصمد أم تجرفه الضغوط؟

