لينا فخر الدين –
تبدي مرجعيات كاثوليكية امتعاضها من تهميش الطائفة وإدارة الظهر للمرجعية الدينية لـ«الكواتلة»، كما بدا في التعيينات الأخيرة.
يتصاعد الاستياء في الأوساط الكاثوليكية من «التهميش الممنهج» لدور الطائفة في مفاصل الدولة، وتراجع حضورها داخل المؤسسات الدستورية والقضائية والإدارية، في ظلّ «تجاوز متعمّد للأعراف التاريخية»، و«تجاهل متكرر للتشاور مع مرجعياتها السياسية والدينية».
وتوجّه شخصيات كاثوليكية بارزة اتهامات إلى القوى السياسية النافذة بانتهاج سياسة تعيينات تُنفّذ بعيداً عن الطائفة وممثّليها، ما يعمّق شعور التهميش ويزيد القلق من تكريس توازنات جديدة تُقصي الكاثوليك وتحيي «ترويكا» سياسية على حساب حقوقهم. وتُحمّل هذه الشخصيات بعض النواب الكاثوليك المنضوين في أحزاب مسيحية كبرى جزءاً من المسؤولية، إذ إن «صمتهم المريب ساهم في تكريس هذا المسار، فهم غالباً ما يتجنّبون الاعتراض تفادياً للصدام مع مرجعياتهم الحزبية».
وإلى جانب ذلك، يُسجَّل غياب واضح لزعامة كاثوليكية فاعلة تدافع عن موقع الطائفة في الدولة، فيما يأخذ بعض الكاثوليك على المرجعية الدينية ممثّلة ببطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، «عزوفاً عن الانخراط في الحياة السياسية وعدم التفاعل الجدّي مع قضايا الطائفة الوطنية، خلافاً لما تقوم به مرجعيات دينية أخرى».
في المقابل، يدافع عدد من المطارنة عن عبسي، مذكّرين بخطوته الأخيرة المتمثّلة في تشكيل «لجنة الوظيفة العامة» بهدف معالجة الخلل في التمثيل الكاثوليكي في الإدارات العامة، ومتابعة مسألة التعيينات الوظيفية التي يشغلها «كواتلة». ويشدّد هؤلاء على أن هذه المبادرة تأتي في ظل غياب المرجعيات السياسية التي كان يُفترض بها أن تتولّى هذه المهمة، معتبرين أنّ الكنيسة، رغم تحفّظها عن الخوض المباشر في السياسة، تحاول ملء الفراغ وحماية الحدّ الأدنى من حقوق الطائفة.
ويوضح عضو اللجنة المدير العام السابق لتلفزيون لبنان طلال مقدسي، أن اللجنة «لا تهدف إلى فرض أسماء أو الدخول في بازار التعيينات، بل تسعى إلى إعداد تصوّرات ومقترحات لتعيينات تتعلق بمواقع يُفترض أن تكون من حصة الطائفة الكاثوليكية»، وذلك عبر «ترشيح شخصيات تتمتّع بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية، بصرف النظر عن الانتماء السياسي».
وحول التعيينات الأخيرة لمجلس إدارة التلفزيون، والتي أثارت غضب المرجعيات الكاثوليكية، قال مقدسي لـ«الأخبار» إن «لجنة الوظيفة العامة» درست 12 ملفّ ترشيح، وخلصت إلى رفع أربعة أسماء تتمتّع بكفاءة عالية إلى رئاستَي الجمهورية والحكومة، في إطار «التشاور الطبيعي».
غير أنّ وزير الإعلام بول مرقص، الكاثوليكي، «تجاهل هذه الأسماء، وقرّر تعيين مستشارته أليسار النداف جعجع في المنصب، من دون أي تنسيق مع اللجنة أو مع البطريرك». وكشف أن العبسي تواصل شخصياً مع مرقص ثلاث مرات لتأكيد أهمية أن يبقى المنصب كاثوليكياً، وكان الوزير يطمئنه شفهياً بأنه ملتزم بذلك، قبل أن يتراجع ويُعيّن النداف التي تنتمي إلى عائلة مارونية أصلها من دير الأحمر قبل أن تنتقل إلى الكاثوليكية قبل سنوات، والمتزوّجة من ماروني».
ولفت مقدسي إلى أن اللجنة ستعقد اجتماعاً بعد ظهر اليوم لاتخاذ موقف «جريء، مسؤول، ووطني، لا شخصاني» في وجه مرقص الذي «تنكّر للبطريركية، وللجنة وكرامتها».
في المقابل، تؤكّد مصادر متابعة أن الحكومة «تعتمد على آلية التعيين الرسمية وليس على لجان غير رسميّة، خصوصاً أنّ آلية التعيين المعتمدة من خلال الحكومة قائمة على المقابلات وعلى اختيار إلكتروني للأسماء من دون التدخّل». فيما تنفي النداف ما يتم تسويقه بأنّها مارونيّة، مشدّدةً على أنّها «كاثوليكية أباً عن جد» وأنّ عمّها «كان نائب مطران بعلبك الكاثوليكي، كما أن كلّ الوثائق الرسمية تؤكّد انتمائي إلى الطائفة الكاثوليكية»، مؤكّدة أنّ تصنيفها «أتى من بين الأوائل ممن خضعوا للمقابلات الشفهية».
تغييب آخر وخرق للأعراف
المشهد نفسه تكرّر في ملف لجنة الرقابة على المصارف، حيث رفعت «لجنة الوظيفة العامة» إلى رئاستَي الجمهورية والحكومة أسماء ثلاثة مرشحين لتولّي المقعد الكاثوليكي، إلا أن التعيين الذي تمّ في مجلس الوزراء، جرى – بحسب ما تردّد – بناءً على ترشيح من رئيس الحكومة نواف سلام، من دون الأخذ بأيّ من اقتراحات اللجنة. وشدّد مقدسي على أن «الاعتراض ليس على الأشخاص المُعيّنين، بل على تغييب اللجنة عن القرار وتهميش مرجعياتنا».
أما في السلك القضائي، فتبدو مظاهر «التهميش» أكثر فداحة. فرغم أن اللجنة لم تتدخّل في هذا الملف، كما يوضح مقدسي، «لأننا لا نتطفّل على القضاء، ولدينا ثقة في مجلس القضاء الأعلى»، إلا أن المرجعيات الكاثوليكية تطرح علامات استفهام جدّية حول آلية التعيينات القضائية، ومدى مراعاتها للتوازن الطائفي.
أبرز الاعتراضات يتعلّق بالمحكمة العسكرية، التي باتت خالية تماماً من أي قاضٍ كاثوليكي. كذلك، سُجّل تراجع لافت في تمثيل الكاثوليك ضمن مواقع المدّعين العامين وقضاة التحقيق في بيروت وجبل لبنان.
وفي السياق نفسه، خسر الكاثوليك موقعاً بارزاً في مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية الجزئية الصادر في 5 أيار الماضي، إذ استُبعدوا من رئاسة الغرفة السادسة في محكمة التمييز، وهي من أكثر الغرف حساسية نظراً إلى نوعية الملفات الكبرى التي تنظر فيها. وبالمقابل، انتُدب قاض كاثوليكي للغرفة الأولى المعنية بملفات الإيجارات ذات الطابع المدني، في خطوة وصفتها المرجعيات الكاثوليكية بأنها «إضعاف لمكانة الطائفة داخل الجسم القضائي».
وبعد إحالة القاضية هيلانة إسكندر على التقاعد، تولّى القاضي كلود غانم بالتكليف رئاسة هيئة القضايا، وهي الهيئة الأهم قانونياً، إذ تمثّل الدولة في الدعاوى وتُعتبر بمثابة «محامي الدولة». لكن، ما لبث أن أُسنِد هذا المنصب إلى القاضي جون القزي، الماروني. كما يتردّد أنّ مارونياً سيُعيّن في رئاسة الهيئة على أن يأخذ «الكواتلة» هيئة التشريع والاستشارات، ما أثار امتعاضاً كاثوليكياً أيضاً باعتبار أنّ «هيئة القضايا أهم من حيث الفاعلية، فيما التشريع والاستشارات تقدّم توصيات غير ملزمة».
إلى ذلك، تشير مرجعيات إلى تغييب مماثل للكاثوليك في التعيينات الأخيرة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، حيث لم يُلحظ تمثيل فعلي للطائفة في المناصب المُستحدثة أو المناقلات.
وفي السلك الدبلوماسي أيضاً، انخفض عدد السفراء الكاثوليك من أربعة إلى ثلاثة، بعد أن اعتذر أحد المُعيّنين عن عدم الالتحاق بمنصبه في السفارة اللبنانية في فنزويلا، ولم يُعيَّن حتى اليوم بديل عنه. ورغم وعود وزير الخارجية والمغتربين بتعويض هذا الغياب بتعيين قنصل عام من الطائفة، فإن الأمر لم يُنفّذ حتى الآن.