الثبات: حسان الحسن-
بعد انقطاعٍ دام نحو عقدٍ ونيفٍ، لاريب أن العلاقات الثنائية السورية- التركية، عادت لتسلك تدريجيًا مسارها الطبيعي، نحو العودة إلى ما كانت عليه قبل منتصف آذار 2011، تاريخ بدء الحرب الكونية على سورية.
وللإضاءة على هذا المسار، فإن العودة المذكورة، ليست مستجدةً حديثًا، فهي تعود إلى ما قبل شباط من العام 2019، تاريخ إعلان الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان، عودة التنسيق الأمني بين الجانبين السوري والتركي.
إذًا إن العلاقات الثنائية بينهما تسلك مسارًا تراكميًا إيجابيًا، نحو إعادة تفعيل هذه العلاقات، التي تطورت من أمنية إلى عسكرية، إثر انعقاد اللقاء الذي جميع وزيري دفاع البلدين، في العاصمة الروسية موسكو، في أواخر العام الفائت، في حضور وزير الدفاع الروسي. وخصص هذا اللقاء، لمناقشة الشؤون الأمنية، والعسكرية، ذات الاهتمام المشترك للبلدين، ثم إلى سياسيةٍ راهنًا. وها هي تتابع (أي العلاقات) تقدمها الإيجابي والملحوظ، فقد تطورت من أمنيةٍ إلى عسكريةٍ ثم إلى دبلوماسيةٍ- سياسيةٍ، إثر اللقاء الذي انعقد في الأيام القليلة الفائتة، في موسكو أيضًا، على مستوى مساعدي وزراء الخارجية السورية، والتركية، والروسية، والإيرانية، على طريق تطوير هذه العلاقات، علّها تصل إلى لقاء قمةٍ بين الرئيسين السوري بشار الأسد، وإردوغان، على أن يسبقه لقاء على مستوى خارجية الدول الأربعة المذكورة، تستضيفه العاصمة الروسية أيضًا، وقد يعقد في الأيام القليلة المقبلة.
ويبقى إمكان نجاح عقد “القمة”، متوقفًا على مدى تجاوب أنقرة، مع المطلب السوري الأول والأساسي والحاسم، بانسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية، كشرطٍ أسياسيٍ قبل انعقاد اللقاء المنتظر بين الرئيسين.
في المقابل يسعى الجانب التركي للحصول على ضماناتٍ، لتحقيق العودة الآمنة للاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية إلى دياريهم، الذين باتوا يشكّلون عبئًا اقتصاديًا على تركيُا، التي تشهد انتخاباتٍ رئاسيةٍ في حزيران المقبل.
وتشكّل قضية “عودة النازحين” مادةً دسمةً في الحملات الانتخابية لإردوغان، والمعارضة معًا، خصوصًا في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها تركيا، وتفاقمت هذه الأزمة، إثر الزلزال الذي ضرب منطقة شرق المتوسط أخيرًا.
كذلك فإن لدى أنقرة، هاجس أساسي، لجهة المحاولات الانفصالية التي تقوم بها “قوات سوريا الديمقراطية- قسد “، ذات الإمرة الكردية، في شمال شرق سورية، على جانب الحدود المشتركة السورية- التركية، بدعمٍ أميركيٍ. ما تعتبره أنقرة تهديدًا مباشراً لأمنها القومي، كونها تصنّف “قسد”، كمنظمةٍ إرهابيةٍ.
إذًا ما تقدم آنفًا، يعبّر في شكلٍ أساسيٍ عن الهواجس المشتركة لدى الجانبين، بالإضافة إلى الوضع الدقيق في محافظة إدلب، حيث تنتشر المجموعات الإرهابية المسلحة، المتفرعة من تنظيم “القاعدة”، وتحظى بالرعاية والدعم التركي.
إذًا، نظرًا لتعقيدات القضايا المطروحة على طاولة البحث، بين الجانبين السوري والتركي، من غير المنتظر أن يعوّل على أول اجتماعٍ لمساعدي وزراء الخارجية المذكورين آنفًا، للخروج بالحل المرتجى للأزمة القائمة بين دمشق وأنقرة، بعد التورط الكبير للأخيرة في الحرب الكونية على سورية.
وهذا الأمر أكده وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف من أنقرة في الساعات الفائتة، فقد قال: إن “هذه العملية لا يمكن أن تتم في لحظةٍ واحدةٍ، ولا بد من تعزيز الثقة والشفافية، وتوازن المصالح الشرعية للمشاركين في هذه العملية”.
وتعليقًا، على انعقاد لقاء مساعدي وزراء خارجية “الأربعة”، تعتبر مصادر في المعارضة السورية، أن هذا اللقاء، لم يخرج بأي نتائجٍ، وسيستكمل، وقد ينعقد لاحقًا على مستوى وزراء خارجيةٍ، بضغوطٍ روسيةٍ، ودائمًا برأي المصادر.
وتشير إلى أن الطرفين السوري والتركي، طرحا المشكلات القائمة بينهما في اجتماع موسكو الأخير، ومن دون أن يطرحان أي تصورٍ لحلها.
وتعتبر المصادر أن هناك قضيةً، لا تقل تعقيدًا عن الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وعودة اللاجئين من تركيا إلى ديارهم السورية، وهي: الأوضاع في إدلب، أي التفاهم على كيفية إنهاء الوجود المسلح الكبير التابع “للتيارات الإسلامية المعارضة” في محافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية، والمفتوحة على الأراضي التركية.
أما في شأن “الحالة الكردية” المنضوية تحت العباءة الأميركية في شمال شرق البلاد السورية، فلا تستبعد المصادر انتقال هذه الحالة، وتحولها إلى ورقةٍ في يد السلطات السورية، نتيجة الاتصالات المستمرة بين الأخيرة، و”قسد”، ودائمًا بحسب معلومات المصادر المعارضة عينها.
وتؤكد أن انتشار القوات الأميركية في سورية، كان في الأساس لمحاولة إعاقة تقدم المحور الممتد من إيران إلى العراق ثم سورية وصولًا إلى لبنان.
كذلك هو مرتبط بتوازناتٍ ميدانيةٍ مع الجيشين السوري، والتركي. واليوم بات هذا الانتشار الأميركي، ورقة ضغطٍ على الروس، في أي عمليةٍ سياسيةٍ مرتقبةٍ. ويلقى الوجود الأميركي في سورية، معارضةً من أعضاء الكونغرس.
وعن مستقبل “الائتلاف المعارض” المدعوم من تركيا وقطر، تجزم المصادر ألا مستقبل لهذا “الائتلاف” في سورية، وأن أعضاءه قد يستكملون ما تبقى من حياتهم، حيث هم، إن في تركية، أو قطر، أو أي بلدٍ آخر. كذلك لا مستقبل لتنظيم “الإخوان المسلمين”، مادامت الحكومة السورية تضعه على لائحة الإرهاب.
وتعقيبًا على ما تقدم آنفًا، تشاطر مصادر سياسة سورية، وزير الخارجية الروسية الرأي، لناحية عدم التعويل على اللقاء السياسي الأول لممثلي “الأربعة”، بالخروج النتائج المرجوة، لافتةً إلى أنه اجتماع تمهيدي، ويسهم في تليين المواقف بين الجانبين السوري والتركي، وتبريد الأجواء بينهما، لاستكمال المحادثات، ثم نجاحها.