Site icon Lebanotrend

دعوات إلى بلورة مخرج لعدم الغرق في لبنان

الأخبار: الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في الحرب التي تخوضها على جبهتين أساسيّتين، هما لبنان وغزّة، غير واضحة تماماً. ويبدو أنها تقوم على الضغط العسكري المُكثّف بهدف دفع من تقاتلهم إلى طاولة المفاوضات.

 

وهذا «لا يحقّق النصر المطلق» الذي يتعهد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفقاً للمحلل العسكري لموقع «واينت»، رون بن يشاي، مشيراً إلى أن الهجمات المكثّفة على لبنان تهدف عملياً إلى «إحداث تغيير جوهري في شعور الأمن الشخصي لدى الإسرائيليين»، خصوصاً مستوطني النقب الغربي، والجليل، وأكثر من 80 ألف إسرائيلي نزحوا من مستوطناتهم.

 

عموماً، تتألف الاستراتيجية الهادفة إلى إيجاد طريق خروج من الحرب في نهاية المطاف من طبقات عدّة، بينها أهداف الحرب نفسها التي صاغها الكابينت، على أن بلورتها «تمت بصورة غامضة لأسباب سياسية وائتلافية»، الأمر الذي اضطر الجيش الذي يطبق قرارات المستوى السياسي إلى محاولة ترجمة الأهداف إلى واقع ملموس، وخلال ذلك حدّد «مهامه» والوسائل والأساليب القتالية التي شهدت أيضاً، وفقاً لبن يشاي، «تغيّرات كثيرة» بمرور سنة من الحرب.

الثابت الوحيد هو عملياً «تحقيق الأمن للمستوطنين». وفيما يظن الجيش أن «الإنجازات» – وهي في معظمها تكتيكية – التي حقّقها في غزة ولبنان، ستدفع حزب الله وحماس إلى الموافقة، وحتّى المطالبة، بحل دبلوماسي ينهي القتال بالشروط الإسرائيلية، إلا أنه بعد سنة كاملة من الحرب لم يتحقق ذلك، ومن الواضح أن الاستمرار في الضرب لن يفضي إلى النتيجة التي يبتغيها.

على المقلب الآخر، فإن الهدف في الساحات الخمس الأخرى (إيران، اليمن، العراق، سوريا، والضفة الغربية المحتلة) هو «النهوض بالردع الاستراتيجي وتعزيزه، بعد انهياره في السابع من تشرين الأول»، وذلك لخلق وضع «يشعر فيه كل أعداء إسرائيل، وحتى من يقفون موقف المتفرج، بأنه يجب تجنُّب الدخول في مواجهة معها، وأن الأفضل هو التعاون معها».

ورغم أن الجيش لم ينهِ «مهمته» في جنوب لبنان، وهي مهمة تبدو أصعب بكثير من مهمته في غزّة خصوصاً أنه يقاتل في ظروف جبلية وتضاريس معقّدة أكثر، اعتبر بن يشاي أنه «قريب جداً من الوضع الذي يمكن الانتقال منه إلى المفاوضات بشأن حل دبلوماسي»، علماً أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أوضح في أكثر من مناسبة أنه لا مفاوضات تحت النار، وأنه لا يمكن فصل جبهة غزة عن جبهة لبنان.

ونتيجة ما وصفه المحلل بأنه «جس نبض لبنان» جرى في الأيام الأخيرة بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار، قدّمت هيئة الأركان العامة للمستوى السياسي المطالب الإسرائيلية من أجل التوصل إلى تسوية؛ وتشمل قائمة المطالب المذكورة شروطاً من الواضح أن حزب الله لن يقبل بها، وتتضمن «إبعاد وحدة الرضوان وقدراتها النارية المباشرة إلى ما وراء الليطاني؛ منع المواطنين اللبنانيين من الاقتراب من الحدود؛ حظر دولي تشارك فيه الدول الكبرى والأمم المتحدة ضد تهريب السلاح من إيران إلى لبنان؛ دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب وتعزيزه وتسليحه من خلال الولايات المتحدة وأوروبا ضمن رقابة حثيثة؛ وأن تستطيع إسرائيل بنفسها وبقواها فرض ترتيبات وقف النار، واحتفاظ الجيش الإسرائيلي في التسوية بحرية العمل الاستخباراتي والعملاني والتوغل والقيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية».

ويعوّل الجيش في ما تقدّم على أنه توجد في لبنان، خلافاً لغزة، حكومة «بالإمكان التفاوض معها»، وعلى أن ثمة رغبة لدى أطراف غربية وإقليمية بالتوصل إلى تسوية وتحقيق «إصلاح حكومي»، واستعداد لتمويل إعادة الإعمار.

من جهة أخرى، لخّصت الباحثة في «معهد أبحاث الأمن القومي»، أورنا مزراحي، أن ما حدث في الأسابيع الأخيرة، وضمنه الدخول البري العسكري على طول القرى الحدوديّة الأماميّة، غيّر وجهة الحرب وأحدث نقطة تحوّل فيها؛ إذ إن «حزب الله الذي تبنّى استراتيجية حرب الاستنزاف ضد إسرائيل كجبهة إسناد انجرّ أخيراً إلى حرب شاملة في توقيت وظروف غير ملائمَين له».

 

ورغم أن هجمات الجيش كبّدت الحزب خسائر كبيرة «لكن بما أن لديه عشرات آلاف العناصر المقاتلين النظاميين، لم يختفِ بل يقاتل دفاعاً عن بقائه باستخدام كل الأدوات التي يملكها».

وما تقدّم يشير، وفقاً لمزراحي، إلى أن «الحزب نجح في التعافي بعد الضربات القاسية التي وُجّهت بشكل خاص إلى قيادته وجيله المؤسس؛ إذ ما زال المقاتلون يطلقون مئات الصواريخ وعشرات المُسيّرات على أهداف عسكرية ومدنية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ويقومون بتوسيع مدى القصف بصورة مستمرة، من الشمال إلى حيفا، وفي الأيام الأخيرة، إلى ما بعد حيفا، نحو الوسط».

على المقلب الآخر، اعتبرت مزراحي ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في لبنان بأنه «نجاحات»، تهدف عملياً إلى تدمير البنى التحتية للمقاومة، بما يمهّد «لتغيير الواقع الأمني» للسماح للمستوطنين بالعودة إلى منازلهم، ولذلك فإن المطلوب من إسرائيل في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار «استنفاد» العمليات العسكرية الهادفة إلى إضعاف حزب الله، هو «بلورة استراتيجية للخروج»، وذلك «كي لا تغرق في حرب طويلة لا جدوى منها في الشمال».