Site icon Lebanotrend

حكومة الإلهاء الوطني : عجزٌ مزمن وأولويات مقلوبة – جان بو شعيا

بينما يعيش الجنوب اللبناني على حافة الانفجار، تحت تهديدات إسرائيلية يومية واستهدافات متكرّرة، تبدو الحكومة اللبنانية كمن يعيش في كوكب آخر. بدل أن تكون في موقع القيادة والمسؤولية، تغرق في تفاصيل عبثية ومهرجانات استعراضية : من “يوم الكشك” إلى عرس مغارة جعيتا، مروراً بالحديث الموسمي عن “انتخاب المنتشرين”، وكأنّ البلاد ليست على شفير مواجهة قد تُطيح بما تبقّى من وجودها السياسي والاقتصادي.
هذه الحكومة لم تعد مجرّد سلطة عاجزة، بل تحوّلت إلى ماكينة إنكار. تتحدّث بلغة السيادة، وتتصرف بمنطق الهروب. تُصدر بيانات خجولة عن الجنوب، وتستعرض في الإعلام حرصها على “نزع السلاح” الذي لا تملك الجرأة ولا القدرة على نزعه، فيما الناس في الجنوب ينامون على الخطر ويستيقظون على الصمت. الدولة غائبة عن الميدان، وحاضرة فقط في اللقطات التذكارية.
التناقض صار سمة رسمية. وزراء يتصارعون في العلن، وقرارات تُطبَخ في الظلّ ثم تُلغى في اليوم التالي. كلّ فريق يحدّد أولوياته الخاصّة: مَن يسعى إلى تلميع صورته الانتخابية، ومَن يوزّع المناصب على المحاسيب، ومَن يتقن لعبة المزايدات الوطنية من دون أيّ مضمون فعلي. والنتيجة : دولة فقدت بوصلتها، وحكومة تمارس السياسة كعرض بهلواني لا ينتهي.
أمّا في العدالة، فالمفارقة أشدّ فداحة. يُعاقَب الأبرياء في الإدارات، ويُستهدَف الموظفون الصغار في مشاهد استعراضية لتأكيد “هيبة الدولة”، بينما المسؤولون الحقيقيون عن الانهيار المالي والاقتصادي يتمتّعون بالحصانة والحماية. مَن سرق أموال الناس يُكرَّم بالصمت، ومَن خدم الدولة يُعاقَب بالفصل. هكذا تُبنى ثقافة الإفلات من العقاب، وتُدفَن المحاسبة تحت ركام الصفقات.
إنّ ما يجري ليس عجزاً فحسب، بل استخفاف متعمّد بمعاناة اللبنانيين. حكومة تتلهّى بالاحتفالات والرموز، وتنسى الجنوب الذي يواجه وحده الخطر الحقيقي. المطلوب اليوم ليس خطاباً جديداً، بل قراراً شجاعاً : إمّا دولة مسؤولة تواجه الواقع، أو حكومة ترحل وتكفّ عن إدارة الانهيار بالتسلية. فالتاريخ لن يرحم من جعل الوطن مشهداً دعائياً، ولا من استبدل الإنقاذ بعروض السيرك السياسي.