Site icon Lebanotrend

حرب إلغاء قواتية على «التنمية الإدارية»: المطلوب القبض على ملف التحول الرقمي!

ندى أيوب –

اقتراح قانون للنائب رازي الحاج ينتهك إستراتيجية التحول الرقمي ويجعل تنفيذها خارج الإطار الحكومي ويخلق تضارب مصالح بين القطاعين العام والخاص. أين الوزير المعني فادي مكي؟

ينشغل وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، فادي مكّي، بتغطية المخالفات الكثيرة والمستمرة في ملف التعيينات الإدارية، وبكتابة منشورات يعرض فيها مواقفه من الحكومة وقراراتها.

لكنه يبدو أقل اهتماماً بمهمته الأساسية: ملف التحوّل الرقمي الذي يجهد حزب «القوات اللبنانية» لوضع اليد عليه، تارة عبر تقديم كمال شحادة – وزير الذكاء الاصطناعي في بلد لا مكننة فيه – مشروع قانون يستحوذ عبره على هذا الملف، وأخرى عبر تقديم النائب رازي الحاج، من تكتل «الجمهورية القوية»، اقتراح قانون لإنشاء «الهيئة اللبنانية للرقمنة». وفي الحالتين المطلوب واحد: سحب ملف التحوّل الرقمي من وزارة التنمية الإدارية في ظل إحجام الوزير المعني عن الدفاع عن صلاحياته.

شحادة والحاج، المحسوبان على «القوات» لا يتحركان من تلقاء نفسيهما، بل يكملان مساراً بدأه حزب «القوات» منذ فترة بهدف الاستحواذ على ملف التحوّل الرقمي، إما بسحبه إلى وزارة الذكاء الاصطناعي، وتحويله من مكتب وزير دولة إلى وزارة أصيلة، ومحاولة تكريس شخصيات محسوبة عليها في هذه الوزارة، أو عبر بدعة اقتراح أن تتولى «الهيئة اللبنانية للرقمنة» قيادة عملية التحول الرقمي.

في 13 آب الجاري، أنهت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة تعديل اقتراح القانون المقدم من الحاج لإنشاء «الهيئة». وهنا ينبغي التوقف عند خطأ فادح ينمّ عن جهل – إذا افترضنا حسن النية – يرتكبه الحاج وبعض النواب المشاركين في دراسة الاقتراح.

إذ يغفل هؤلاء عن أن الإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي (2020 – 2030) التي أقرّها مجلس الوزراء عام 2022، بعد سنوات من العمل، أوكلت قيادة ملف التحوّل الرقمي إلى وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية (OMSAR)، وحدّدت هيكلية عمل واضحة لتنفيذها، عبر تفعيل وحدة المعلوماتية في رئاسة مجلس الوزراء، وربطها بلجنةٍ وزارية (تضم التنمية الإدارية وأربع وزارات أخرى حدّدتها الإستراتيجية).

وتنسّق هذه اللجنة الوزارية مع وزير التنمية الإدارية (قطاع عام)، وأصحاب خبرات رقمية يلعبون دوراً استشارياً (قطاع خاص).

وأعطت الإستراتيجية وزير التنمية الإدارية دوراً محورياً، حيث يتواصل مباشرة مع وحدات التحوّل الرقمي (DTU) المفترض استحداثها في كل وزارة، وبشكل غير مباشر عبر وحدة التحوّل الرقمي المركزية (CDTU) في «التنمية الإدارية»، التي تنسّق مع الـ DTUـ وترفع التقارير له. كما يتلقى الوزير تقارير اللجنة الفنية التي تأتي من الـ CDTU، بعد التنسيق مع وكالة الأمن السيبراني، ومن كبار المسؤولين الرقميين في القطاع العام، ومن «المفوّض الوطني للتحوّل الرقمي» (CDO).

وتتصل هذه الشبكة في النهاية باللجنة الوزارية ورئاسة الحكومة، ما يضمن مأسسة التحوّل الرقمي داخل الدولة، مع مركزية القرار ووحدة الرؤية. وجميع هذه الشروط تُعدّ أساسية، نظراً إلى ارتباط التحوّل الرقمي بالأمن السيبراني وبالسيادة الرقمية وبالأمن القومي الذي لم يعد يقتصر على البعد التقليدي فقط.

لكن، بخلاف خريطة العمل الواردة في الإستراتيجية الوطنية، اقترح الحاج إنشاء هيئة تتولى تنفيذ الإستراتيجية الرقمية للدولة وتطويرها بالتعاون مع الوزارات والبلديات والجهات العامة والخاصة المشرفة على مرافق عامة. وتُعنى الهيئة باقتراح التوجهات والسياسات الرقمية (رغم أن الإستراتيجية وضعت الإطار لذلك)، ووضع مشاريع القوانين، وتحديد المعايير التقنية للخدمات الرقمية العامة، وإبداء الرأي حول الرسوم والتكاليف المرتبطة بها.

وبحسب الاقتراح، تُمنح الهيئة صلاحيات واسعة تشمل إعداد الموازنات، التعاقد، تحصيل الرسوم مقابل الخدمات الرقمية، التملك، الاقتراض، وقبول الهبات.

ويغيّب اقتراح القانون وزارة التنمية الإدارية بالكامل، رغم دورها الأساسي المنصوص عليه في الإستراتيجية. عملياً، يسعى الحاج عبر هذا الاقتراح إلى إقرار قانون يلغِي القرار الحكومي الذي أصدر الإستراتيجية، ومن ثم العودة إلى مجلس الوزراء لإصدار مراسيم تطبيقية للقانون الجديد، في حين أن القرار الحكومي الحالي نافذ ويحتاج فقط إلى التطبيق.

وينص اقتراح القانون أيضاً على تمثيل القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام في مجلس إدارة الهيئة، المفترض أن تتولى قيادة رقمنة القطاع العام، ما يفتح الباب أمام تضارب مصالح محتمل، بخلاف الإستراتيجية الوطنية التي حدّدت دور القطاع الخاص كاستشاري فقط للقطاع العام، من دون صلاحيات تقريرية.

وفيما غاب عن الاقتراح أي تحديد لآلية تعيين أعضاء مجلس الإدارة، فقد نصّ على إنشاء «هيئة عامة مستقلة» تتمتع باستقلال مالي وإداري وتخضع لوصاية مجلس الوزراء، ما يجعلها أقرب إلى المؤسسات العامة منه إلى هيئة إدارية. هذه الهيكلية المستقلة خارج الإطار الحكومي تؤدي إلى تفكيك الحوكمة الرقميّة لا توحيدها، وهو ما يتناقض مع الإستراتيجية الوطنية التي جعلت شبكة التنفيذ تتبع مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء عبر لجنة وزارية، مروراً بـ«التنمية الإدارية» كمنسق مركزي للسياسات الرقمية الوطنية، لضمان تكامل جميع المبادرات ضمن رؤية موحدة تحقق مركزية القرار والتخطيط والحوكمة.

مرّت خمس سنوات على إقرار الإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي، من دون أن يُطبق منها أي جزء عملياً. خلال هذه الفترة، تراكمت مشاريع واقتراحات قوانين مرتبطة بالملف، بينها اقتراح الحاج ومشروع شحادة، ما أدى إلى هدر الوقت واستنزاف الجهود وإلى حالة واضحة من الفوضى. فيما بناء لبنان الرقمي لا يحتاج إلى تفريخ لجان وهيئات ومؤسسات جديدة.

إذ إن الواقعية تقتضي إصلاح المنظومة القائمة، بدءاً بتحويل «التنمية الإدارية» من مكتب وزير دولة يعتمد في عمله على موظفي البرامج الممولة، إلى وزارة أصيلة لها هيكلها الإداري وملاكها وموازنتها، بما يعزز وضعها القانوني ويمكّنها من ممارسة صلاحيات الرقمنة على باقي الوزارات.

كما يتطلّب تعزيز قدرات OMSAR إنشاء وحدة التحول الرقمي المركزية فيها، ووحدات التحول الرقمي في كل إدارة، واستحداث منصب رسمي مرتبط برئاسة الحكومة (Chief Digital Officer – CDO) كما نصّت الإستراتيجية. إضافة إلى ذلك، يجب تحديث قانون «المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات» (81/2018)، الذي ينتهك بصيغته الحالية خصوصية البيانات بدلاً من حمايتها.