Site icon Lebanotrend

جلجلة المفاوضات وكأس السم..!

صلاح سلام –

وأخيراً حسمها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بكلمات معدودات: لا خيار أمام لبنان إلا التفاوض. منهياً بذلك أشهراً طويلة من التردد والنقاش السفسطائي في الداخل، ومع الوسطاء الأميركيين والأوروبيين، الذين ترددوا على لبنان حاملين أفكاراً تارة، وإقتراحات تارات أخرى، وإصطدموا بضبابية الوضع اللبناني، وغياب الموقف الواحد في مواقع القرار الرسمي.

قبول لبنان بالذهاب إلى المفاوضات مع العدو الإسرائيلي هي خطوة موجعة، رغم ما تحمله من واقعية وعقلنة في التعاطي مع التصعيد الإسرائيلي المستمر منذ توقيع إتفاق وقف العمليات العسكرية في ٢٧ تشرين الثاني العام الماضي، لأن المطلوب لبنانياً هو وقف “حرب الإستنزاف” التي يشنها نتنياهو على لبنان بحجة “ضرب البؤر والأهداف التي تهدد الأمن الإسرائيلي”، والقضاء على ما تبقّى من البنية العسكرية لحزب الله.

أهمية المبادرة الرئاسية الشجاعة أنها جاءت في وقت ترتفع فيه أصوات التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، وتكثر معها التقارير الإعلامية عن مناورات وتدريبات للجيش الإسرائيلي في المناطق المجاورة للحدود اللبنانية، إستعداداً لحرب جديدة، مقابل حملات منظمة في الإعلام الإسرائيلي والغربي تزعم أن حزب الله أعاد تنظيم صفوفه، وإستطاع تشغيل معامل إنتاج الصواريخ والمسيّرات في أنفاقه، في إطار الإستعداد للمواجهة المقبلة مع الجيش الإسرائيلي، وبما يهدد أمن المستوطنات الشمالية القريبة للحدود اللبنانية.. كذا!!

ولرفع الضغوط الأميركية المتزايدة عن لبنان، والعمل في الوقت نفسه على إحراج الكيان الصهيوني، لا بد من وضع الكلام الرئاسي في مسار قانوني ودستوري عبر مجلس الوزراء، يحدد إطار المفاوضات التي يوافق عليها لبنان، هل تكون مباشرة أم غير مباشرة، وبرنامج الأولويات التي يتصدرها وقف الغارات اليومية وتحليق المسيّرات فوق المدن والمناطق اللبنانية، وتحديد جدول زمني للإنسحابات من الأراضي اللبنانية وإطلاق الأسرى.

ولكن العقدة الأساسية التي تعرقل تقدم المفاوضات، في حال إنعقادها، بل وقد تؤدي إلى تعطيلها، تبقى مسألة سلاح حزب الله، وقدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ قرار حصرية السلاح. لأن معالجة هذا الملف يبقى أهم من تضييع الوقت في نقاش بيزنطي حول طبيعة المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة.

تاريخ المفاوضات بين الدول والأمم المتحاربة حافل بنماذج المفاوضات المباشرة، وإن كان بعضها يبدأ بوجود طرف ثالث، كما حصل في المفاوضات الشهيرة التي خاضها مهندس الإستراتيجيات للسياسة الخارجية الأميركية هنري كيسنجر مع وفود “الفيتكونغ” في العاصمة الفرنسية، التي أنهت الحرب الأميركية في فيتنام، وإنسحاب القوات الأميركية من المنطقة.

غني عن القول أن ظروف المفاوضات البرية اليوم تختلف جذرياً عن تلك التي كانت سائدة إبان المفاوضات البحرية، خاصة وأن العدو الإسرائيلي يتصرف وكأنه المنتصر في حرب العام الماضي، ويحاول إملاء شروطه على الجانب اللبناني، كطرف منهزم. في حين كانت قواعد الردع المتبادل حاضرة بقوة في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

طريق المفاوضات قد يكون مفروشاً بالألغام والمطبات، وما يصاحبها من ضغوط أميركية ومناورات إسرائيلية، ولكن لا خيار أمام وطن الأرز غير سلوك طريق جلجلة المفاوضات، ولو إعتبرها البعض بمثابة تجرُّع كأس السم!