Site icon Lebanotrend

جبران باسيل يفرض معادلة جديدة: من شعبوية الاتّهام إلى مواجهة الوقائع… جان بو شعيا

 
شكّلت إطلالة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الأخيرة على شاشة LBCI محطة سياسية لافتة، ليس فقط بما حملته من مواقف، بل بالطريقة التي اختار من خلالها إدارة المواجهة السياسية في لحظة دقيقة من تاريخ لبنان. ففي بلد باتت فيه السياسة مرادفًا للاتّهام المجاني والاستثمار في الغضب الشعبي، قدّم باسيل خطابًا مختلفًا يقوم على نقل السجال من الشارع والإعلام إلى طاولة الوقائع والمساءلة.
الأبرز في المقابلة كان التحدّي العلني الذي وجّهه باسيل لخصومه، داعيًا إلى مناظرة مفتوحة حول ملفات الفساد، تحت سقف الأدلّة والمستندات. هذا الطرح يكتسب أهمّية خاصّة في ظلّ إمعان قوى سياسية، وعلى رأسها القوات اللبنانية، في رفع شعار “مكافحة الفساد” كأداة تعبئة شعبوية، من دون تقديم أيّ مسار قضائي أو سياسي واضح يُترجم هذا الشعار إلى محاسبة فعلية. فالقوات، التي تتقن خطاب الإدانة، تبدو عاجزة عن الذهاب أبعد من لغة التخوين والتعميم، مكتفية بدور المعلّق لا الفاعل.
في المقابل، سعى باسيل إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة، لا كشعار إنشائي، بل كإطار ناظم للحلول. حديثه عن حصر السلاح بيد الدولة وتسليمه للمؤسسة العسكرية لم يكن موجّهًا للاستهلاك الإعلامي، بل جاء ضمن مقاربة تدريجية تأخذ في الاعتبار تعقيدات الواقع اللبناني. وهنا يظهر الفارق الجوهري بين من يتعامل مع القضايا المصيرية كمنصّة تسجيل نقاط، ومن يحاول مقاربتها بواقعية سياسية، حتى وإن كلّفه ذلك انتقادات من الطرفين.
أمّا خصوم التيار، وخصوصًا القوات اللبنانية، فيبدون أسرى خطاب تصادمي يقوم على استثمار الخوف والانقسام بدل البحث عن حلول. فكلّ طرح حواري يُقابل بالتشكيك، وكلّ محاولة نقاش تُصوَّر على أنّها تواطؤ، في وقت لم تقدّم فيه هذه القوى أيّ بديل عملي لإدارة الملفات الكبرى، من السلاح إلى الإصلاح، سوى الرهان على الخارج أو انتظار التسويات.
ما كشفته المقابلة بوضوح هو أنّ باسيل يحاول كسر نمط سياسي سائد، قائم على الهروب من النقاش الجدّي. دعوته إلى مواجهة علنية في ملفات الفساد تضع خصومه أمام اختبار صعب: إمّا الانتقال من الخطاب إلى الفعل، أو الاستمرار في لعب دور المعارضة الصوتية التي تعيش على شيطنة الآخرين.
في الخلاصة، لم تكن إطلالة جبران باسيل مجرّد دفاع عن الذات، بل محاولة لإعادة تعريف العمل السياسي في لبنان: سياسة تقوم على المواجهة المباشرة، وعلى طرح الأسئلة المحرجة، لا على الاختباء خلف شعارات رنّانة. وبينما يفضّل بعض خصومه البقاء في موقع القاضي من دون محاكمة، اختار هو النزول إلى ساحة النقاش، تاركًا للرأي العام أن يحكم.