Site icon Lebanotrend

تعيينات استنسابية وخطط أُحادية: الجولاني يقبض على مفاصل الدولة

الأخبار: بهدوء، ومن دون إعلان رسمي، بدأت «هيئة تحرير الشام» التي يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، بوصفها قائدة غرفة العمليات العسكرية التي سيطرت على الحكم في سوريا بعد سقوط النظام، التمدّد في مفاصل الدولة.

 

ويتجلّى ذلك في تعيينات مستمرة تشمل معظم القطاعات، بما فيها المحافظون والمدراء العامون، بالإضافة إلى متابعة تشكيل الحكومة المؤقتة التي تمّ تكليف محمد البشير برئاستها، لتتولى تسيير شؤون البلاد حتى مطلع شهر آذار المقبل.

 

على أن التعيينات الجديدة غلب عليها الطابع الديني، في ما يتوافق مع تركيبة «الهيئة» التي تشكّلت عبر اندماج عدد من الفصائل المتشددة، وأسّست حكومة في إدلب، يعمل معظم وزرائها حالياً على إدارة مؤسسات الدولة السورية.

 

وبالتوازي، تتصدّر منظمات مقرّبة من الشرع المشهد السوري، وأبرزها منظمة «الدفاع المدني» (الخوذ البيضاء)، التي نقلت مقر عملياتها إلى العاصمة، وقامت بطرد فوج إطفاء دمشق من مقره، والاستيلاء عليه، ليبدأ الأخير اعتصاماً مفتوحاً في دمشق.

 

وفي وقت تعايش فيه دمشق أكبر حشد من الصحافة العربية والعالمية، منذ عام 2011، تشهد وسائل الإعلام السورية المحلية تضييقاً مستمراً وتقييداً، من بين نماذجه منع إذاعة «شام إف إم»، إحدى أشهر الإذاعات السورية، من العودة إلى العمل، بعد أن قامت السلطات الحالية بإغلاق مقرها، من دون تقديم أي سبب لهذا الإجراء، الذي يتنافى مع القيم والمبادئ التي أعلنها الحاكمون فور تولّيهم السلطة.

 

كذلك، بدأت تظهر تصريحات عديدة لمسؤولين في «إدارة العمليات»، والحكومة المؤقتة، ترسم بعض ملامح المستقبل السوري، من بينها الحديث عن دور المرأة السياسي والمؤسساتي، والفصل بين الذكور والإناث في الجامعات، وغيرها من القضايا.

 

ويمثل هذا الأمر تجاوزاً واضحاً للصلاحيات، سواء بسبب عدم إقرار دستور جديد للبلاد (الدستور الحالي معطّل)، أو عدم تشكيل حكومة توافقية، بالتزامن مع استمرار الجدل حول خطة الحل الأممية (القرار 2254)، والتي سمع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، انتقادات واضحة لها خلال لقائه الشرع.

وفيما تابع بيدرسن مشاوراته في العاصمة السورية، فهو يحاول، في الوقت الحالي، القفز على الإشكالات التي طلب الشرع بناءً عليها إجراء تعديلات على قرار «مجلس الأمن»، عبر الحديث عن ضرورة تدفق المساعدات، والعمل المتكامل للنهوض بالأوضاع في سوريا.

 

وفي هذا الوقت، بدأت تظهر أصوات من داخل المعارضة السورية (هيئة التفاوض) تطالب بالتمسك بالقرار الأممي، وسط مخاوف من إحكام «الهيئة» سيطرتها على الحكم في سوريا بشكل منفرد.

 

طالبت «هيئة التفاوض» السورية المعارضة بالتمسك بالقرار 2254

وعلى الصعيد الإنساني، تواصل المنظمات المعنية البحث عن مقابر جماعية في محيط دمشق، بعد اكتشاف بعضها قرب القطيفة في ريف دمشق، حيث تشير تقارير مبدئية إلى أنها تحتوي على رفات أكثر من 100 ألف شخص، تمّ قتلهم على يد النظام السابق، وهي واحدة من عشرات المقابر الجماعية التي من المتوقع اكتشافها.

وفي غضون ذلك، تتابع دول الاتحاد الأوروبي تهافتها إلى سوريا لإجراء لقاءات مع الشرع، وإعادة فتح قنصلياتها وسفاراتها، وضمان وجود قنوات تواصل مستمرة، بهدف استثمار الأوضاع الراهنة للضغط على روسيا بهدف إخراجها من سوريا، وفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين.

 

وفي هذا السياق، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن مقر بعثة بروكسل في سوريا يستأنف عمله بشكل كامل.

 

وقالت، في حديثها خلال الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي، إن بعثة الاتحاد لم تُغلق رسمياً، لكن لم يكن هناك سفير معتمد في دمشق طوال فترة الحرب، وأضافت أن البعثة عادت إلى العمل بكامل طاقتها.

 

كذلك، وصل وفد دبلوماسي فرنسي إلى دمشق، حيث عقد اجتماعاً مع ممثلين عن السلطات الحالية، وقام بزيارة مقر السفارة الفرنسية المغلقة منذ عام 2012، للعمل على إعادة فتحه. كما أجرى وفد بريطاني رفيع المستوى لقاء مع الشرع، الذي دعا الولايات المتحدة إلى رفع «هيئة تحرير الشام» عن قائمة الإرهاب، في حين أعلنت الخارجية الألمانية بدء محادثاتها مع «الهيئة».

وفي أنقرة، التي أصبحت اللاعب الأبرز في الملف السوري، عقد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لقاءً مطوّلاً مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أعلن في مؤتمر صحافي عقبه عن وجود توافق تركي – أوروبي حول إنشاء إدارة شاملة في سوريا.

 

ودار الحديث بمعظمه حول مصير «قوات سوريا الديمقراطية» التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب «العمال الكردستاني»، وتطلق عليها صفة إرهاب، وخلص، بحسب إردوغان، إلى تمسك تركيا بمحاربة الإرهاب، بالقول إن «أي حلول لا تستبعد التنظيمات الإرهابية لن تكون مستدامة»، وفق تعبيره.

 

وفي زيارة تُعتبر الثانية من نوعها خلال أقل من شهر، وصل أمير قطر، تميم بن حمد، إلى العاصمة التركية، حيث أجرى لقاء مع حليفه إردوغان، بعد يومين من إعادة فتح السفارة القطرية في دمشق، في ما يمكن اعتباره تتويجاً للدعم التركي – القطري للفصائل، ومؤشراً إلى استحالة قطر شريكاً وازناً في القضية السورية.