أنطوان الأسمر-
يعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسم ملامح المشهد السياسي في الشرق الأوسط. ولا ريب أن إعلانه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بالتوازي مع لقائه بالرئيس السوري الموقت أحمد الشرع، هو في صلب تصوّره للمنطقة، وهو التصوّر القائم أساسا على تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب من بوّابة الاتفاقيات الإبراهيمية.
يفتح اللقاء بين ترامب وشرع، وما تبعه من قرار رفع العقوبات، الباب أمام مسار جديد قد يؤدي إلى إعادة دمج سوريا تدريجياً في المنظومة العالمية، في وقت تسعى فيه قوى إقليمية ودولية إلى إعادة رسم الخرائط السياسية بعد سنوات من الحرب. وليس من المستغرب أن تكون المملكة العربية السعودية أحد أبرز الدافعين لهذا التحول، في إطار محاولتها تعزيز الاستقرار وإعادة التموضع في منطقة بدأت تشهد تراجعاً تدريجياً في الاشتباك الأميركي المباشر.
ضمن هذا السياق، يظهر أن الشرع، الذي بات يُنظر إليه كلاعب شرعي في المعادلة السورية الجديدة، يعوّل على الدعم الغربي لإطلاق مشاريع استثمارية طموحة، مثل “برج ترامب” في دمشق، مما يعكس رهانه على جذب رأس المال الخارجي كرافعة لإعادة الإعمار. وهذه الدينامية الاقتصادية المستجدة تفتح نافذة فرص للبنان، الذي يمكنه أن يؤدي دوراً محورياً في عمليات الترانزيت، والنقل، والتبادل التجاري، خصوصا عبر مرفأ بيروت والمعابر الحدودية مع سوريا، التي شكّلت لعقود طويلة شرايين حيوية للحركة الاقتصادية.
من شأن هذا الانفتاح، إذا تبلور فعلاً، أن يخفف نسبياً من الضغوط التي يرزح تحتها الاقتصاد اللبناني، سواء من خلال زيادة الحركة التجارية أو من خلال تسريع عودة تدريجية للنازحين السوريين، بما يخفف العبء عن البنى التحتية والخدمات العامة. غير أن تحقيق هذه الإيجابيات يظل مشروطاً بقدرة الدولة اللبنانية على استيعاب المتغيرات، ومواكبتها بخطط اقتصادية وإدارية متماسكة تسمح لها بالتحول من موقع المتلقي السلبي للأزمات، إلى موقع الشريك الفاعل في صنع مرحلة ما بعد الحرب.
لكن هذه الفرصة لا تُخفي في طيّاتها تحديات جدّية. فعودة سوريا إلى الحلبة الدولية بوجه مختلف تعني بالضرورة تبدلاً في موازين القوى الإقليمية، وإعادة نظر في التحالفات التي نشأت في سنوات النزاع. وهنا يبرز السؤال حول موقع لبنان في هذا المشهد المتغيّر، وقدرته على الحفاظ على توازنه الدقيق بين المحاور المتصارعة، لا سيما في ظل وجود قوى محلية ذات امتدادات إقليمية، مثل حزب الله، الذي قد يجد نفسه أمام مراجعة لدوره ووظيفته السياسية والأمنية.
كما أن أي تقارب أميركي – سوري، مهما كانت خلفياته، سيعيد تحريك ملفات شائكة مثل ترسيم الحدود، وإعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي والأمني، وربما التفاوض حول مستقبل النفوذ الإقليمي لإيران في المشرق. تاليا، تصبح، قد تحمل المرحلة المقبلة للبنان قدراً عالياً من الضغوط السياسية والديبلوماسية، إلى جانب الإغراءات الاقتصادية، مما يفرض على القوى اللبنانية السير بحذر في حقل ألغام المصالح المتضاربة.
باختصار، يمكن لأي تفاهم اميركي – سوري، لو جزئي، أن ينعكس على لبنان في أكثر من مسألة:
١-قد يفتح التفاهم الباب أمام تخفيف الضغوط الدولية على دمشق، مما يُنعش آمالًا بعودة تدريجية للنازحين السوريين. إلا أن هذا المسار يبقى هشًا، ويتطلب توافقًا أوسع يتجاوز اللقاءات الرمزية.
٢-قد يؤدي تسارع خطى التطبيع السعودي-الإسرائيلي، والذي تضعه الرياض ضمن شروط أبرزها تقديم مكاسب جدية للفلسطينيين، إلى بروز تحديات إضافية أمام لبنان، لا سيما لجهة موقفه من الانضمام إلى المسار الإبراهيمي.
3-سيعيد أي تقدم في المفاوضات الأميركية-الإيرانية حول الملف النووي رسم حدود النفوذ الإيراني في المنطقة، وتاليا تأثيره لبنانيا، لا سيما عبر حزب الله.
تأسيسا على ذلك، لا يمكن عزل انعكاسات القرار الأميركي عن السياق الإقليمي الأوسع، حيث تسعى القوى الكبرى إلى إعادة ترتيب الأوراق في سوريا ما بعد حكم عائلة الأسد، ضمن توازنات جديدة قد لا يكون فيها لبنان مجرد لاعب صغير، بل مساحة اختبار لتقاطعات النفوذ، أو منصة لإعادة الانخراط العربي والدولي في إعادة إعمار المنطقة.