قال وزير الخارجيّة والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب في اجتماع الدورة الـ(162) لمجلس جامعة الدول العربيّة على المستوى الوزاري في القاهرة:
معالي وزير خارجية الجمهوريّة اليمنيّة السيّد شايع محسن الزنداني، رئيس الدورة الحاليّة لمجلس جامعة الدول العربيّة على المستوى الوزاري،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط،
أصحاب السمو، والمعالي، والسعادة،
الحضور الكريم،
يسرّني أن أتقدم بالشكر لمعالي الأخ محمد سالم ولد مرزوك وزير خارجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة الموريتانيّة على ما بذله من جهد خلال ترؤسه الدورة الـ 161 لمجلس الجامعة العربية الوزاري، وأتقدم بالتهنئة من معالي الأخ شايع محسن الزنداني لمناسبة ترؤسه الدورة الحاليّة، مُتنمنّيًا له النجاح في مهمّته، في هذه الظروف الصعبة التي تعصف بعالمنا العربي.
كما أتقدّم بالشكر من معالي الأمين العام السيد أحمد أبوالغيط وجهاز الأمانة العامّة على جهودهم المقدّرة في إدارة أعمال الجامعة بين الدورتيْن 161 و 162.
أصحاب السمو، والمعالي والسعادة،
يتعرّض لبنان منذ أحداث 7 تشرين الأوّل الفائت لتدمير مُمنهج لبشره وحجره حيث قتلت إسرائيل المئات من النساء والأطفال والمسعفين، والطواقم الطبية، والصحفيين والمدنيين، وآخرهم أربعة من عناصر الدفاع المدني وهم يخمدون نيران أشعلتها إسرائيل، وقامت بحرق بساتينه وأشجاره المُثمرة ومنها الزيتون المُعمّر، مُستعملة الفوسفور الأبيض سعيًا وراء إنشاء شريط حدودي من الدمار غير القابل للحياة لعشرات السنين القادمة، علمًا أنّ هذا النوع الأخير من التصرّفات والأفعال هو نمط جديد من الإرهاب. إنّهُ الإرهاب البيئي الذي يهدف إلى تدمير مقوّمات الحياة وصولاً إلى انعدام الحياة البشريّة.
لن أطيل الشرح أكثر اختصارًا للوقت. لكن اسمحوا لي أن أخلع القفازات الدبلوماسيّة، وأن أخاطبكم من القلب إلى القلب. ألا يستحق هذا الوطن، لبنان، الصغير بجغرافيّته، الكبير بعروبته وانتمائه، وإنتشاره حول العالم الذي حمل ما لم يحمله أحد من عبء وأوزار القضية الفلسطينيّة وتبعاتها، بعض الدعم في هذه المرحلة الدقيقة؟ وأنتم كنتم له طوال حقبات وتحديات خلت السند، والشقيق، والملاذ الآمن. فنحن اليوم بأمسّ الحاجة أقلّهُ إلى وجودكم المعنوي إلى جانبنا عندما نُقصَف، وتُدمَّر أحياؤنا، وقُرانا، وسُهولنا، وتُقتَل بناتُنا وأبناؤنا. فندائي لكم اليوم بأن تبقوا إلى جانِبنا، كي يبقى لبنان وطن العرب، كلّ العرب، بدل تركِه وحيدًا. فنحن نتألّم بصمت، ونحتاج إلى دعم عربي نفتقدهُ، وغطاء ومظلّة عربيّة، في هذه اللحظات الصعبة. فالفراغ العربي في لبنان مُدمّر لحيثيّة وطن الأرز، وتوازناته، ووجوده.
أمّا فيما يتعلّق بأجداث غزّة وانعكاساتها على المنطقة، فلا أخفي عليكم بأننا نشعر بالخجل، والألم، عندما نستلم أو تصل إلى مسامعنا من دول أوروبيّة اقتراحات وحلول وأفكار من أطراف عربيّة تتعلّق بحلول للوضع الحالي في غزّة دون أن يتم التشاور أو التنسيق فيما بيننا، علما” أن دول الجامعة ال22 معنية بمخرجاتها وإنعكاساتها.
كما أننا ندعوكم إلى التفكير جديًا ماذا سنفعل في حال عدم التوصّل إلى وقف إطلاق نار في غزّة، بعد أن تحوّل هذا الأمر إلى ما يشبه القصّة الشهيرة في الأدب العالمي “بانتظار غودو”، الشخص الموعود وصوله الذي لن يأتي أبدًا. فهل سنبقى جالسين على رصيف الانتظار وقف إطلاق النار، بالرغم من كل المساعي الصادقة والمتواصلة التي يبذلها الأشقّاء في جمهوريّة مصر العربيّة، ودولة قطر، والدور التاريخي للجمهوريّة الجزائريّة الديمقراطيّة الشعبيّة في مجلس الأمن الدولي. ألم يحن الوقت بعد للتفكير معا” بالخطّة “ب” أو الخطّة البديلة، كي لا تتحوّل منطقتنا إلى مُستنقع للتطرّف الأعمى، وخليط من الحقد، والدمار، والخراب.
ورغم الإيجابية التي سادت صباح اليوم إجتماع لجنة الإتصال الوزارية العربية حول سوريا، وبعد أن كانت الجامعة العربية سبّاقة في اعتماد نهج أكثر واقعيّة لمعالجة الأزمة السوريّة، نرى اليوم ثماني دول أوروبية، تطالب الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في سياستة تجاه سوريا. كذلك، تجري حاليا” إجتماعات في أوروبا لمناقشة هذه المسألة، بعد أن قامت بعض الدول الأوروبية بإعادة مدّ الجسور مع سوريا، في حين انكفأت مجموعتنا العربيّة عن التواصل والحوار حيث إجتمعنا مرة واحدة فقط، قبل إجتماعنا اليوم، لمتابعة هذا الموضوع.
أصحاب المعالي والسعادة،
ختاما”،
تبقى فلسطين القضية الأم لكل لدول العربية، ومفتاح الإستقرار في منطقتنا. علينا التفكير سويًا بكيفية إستثمار الوزن العربي في العالم ومقدراتنا السياسية، والإقتصادية، والمالية، للوصول سريعا” الى حل عادل، ومشرف للقضية الفلسطينية يعيد الحقوق الى أصحابها، ويؤمن السلام والإستقرار في الشرق الأوسط وفقا” لمبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت لعام 2002. فنحن نخشى من إستمرار الوضع على ما هو عليه مما سينعكس سلبا” ليس فقط على دول الجوار كما هو الحال الآن، بل ستتدحرج الأمور كأحجار الدومينو لتطالنا بالسوء جميعا”، ولو بعد حين.