Site icon Lebanotrend

المقاومة تراقب منطق الضمانات الدولية: المتغيّر السوري عزّز عدوانية العدو

علي حيدر-

ليس حدثاً عابراً أن يواصل العدو خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار، فهو محطة كاشفة عن أكثر من عنوان وقضية تتصل بمتغيّرات إقليمية وميدانية ومفاهيم أرستها نتائج الحرب، تتصل بجميع الأطراف. فقد تواصلت اعتداءات العدو وتصاعدت واتّسعت فشملت تدمير منازل ولا تزال، واغتيالات وقصف مناطق في عمق الجنوب وفي البقاع أيضاً، وصولاً إلى التوغل نحو القنطرة وعدشيت القصير ووادي الحجير.
لقد تميّز رد الفعل الأميركي، ومعه اليونيفل بالاكتفاء بالتعبير عن القلق من دون أن يؤدي إلى كبح هذا المسار. ولم تنجح مواقف ونداءات الحكومة اللبنانية، كونها المسؤول الأول عن مواجهة هذا العدوان، في إحداث أي تغيير أو حتى منع تصاعده على الأقل. في المقابل قرّرت المقاومة إفساح المجال أمام الجهات الرسمية والدولية لإثبات جديتها ومصداقيتها وقدرتها على ردع العدو. ويبدو أن قرار المقاومة أصبح مطلوباً وملحّاً بعد حرب مدمّرة غير مسبوقة، أثبتت فيها المقاومة قدرتها على منع العدو من اجتياح الأراضي اللبنانية واحتلالها.
خطورة عدم كبح هذا المسار العدواني في ظل اتفاق وقف إطلاق النار، فشلاً أو عجزاً، أنها تمنح العدو المزيد من الجرأة على مواصلة عدوانه واتساعه أيضاً. وإذا لم يتم إيقافه في محطة ما، فإنه لن يقف عند حدود وإن بشكل متدرّج، علماً، أن مسار المواجهة دفع العدو خلال 66 يوماً إلى وقف الحرب، بعدما أيقن أن إنجازاته العسكرية النوعية لم تنجح في تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
ثمة نتيجة أخرى تترتب على هذه الخروقات، وهي في إعادة تظهير منطق خصوم المقاومة في الداخل اللبناني بعد الحرب، وهو مؤشّر مهم في المرحلة التي تلي، كونه يوفّر لبيئة المقاومة مجموعة حقائق تتصل بتموضع خصومها السياسيين واستعدادهم حتى لتبرير اعتداءات العدو. لكن ما يغفل عنه هؤلاء بفعل حقدهم، أن ذلك يجدد مشروعية المقاومة الداخلية أكثر من أي وقت مضى. والخطأ الأكبر لخصوم المقاومة، تعمّدهم استفزاز بيئتها عبر تبرير اعتداءات العدو والادّعاء بأن حزب الله لم يطبّق القرار، وهم لا يتورّعون عن الكذب الصريح بالقول إن الاتفاق الذي وقّعت عليه الحكومة اللبنانية يمنح إسرائيل الحق بهذه الاعتداءات. وهم يذهبون أبعد من ذلك بامتناعهم حتى عن مجرد محاولة إحراج العدو إعلامياً ودبلوماسياً. لكنّ وقاحتهم تجعلهم يتوقّعون من جمهور المقاومة القبول بطرح تسليم سلاح المقاومة، وكل ذلك هدفه الالتفاف على انهيار طروحاتهم مجدداً بعد الحرب، بعدما ضجّوا الدنيا صراخاً، وهم يتحدّثون عن أن حماية لبنان تأتي من خلال الضمانات الدولية والقرار 1701.
لكنّ اعتداءات العدو المتصاعدة، مردّها إلى عوامل وتقديرات ورهانات عدة، إذ ترى قيادة العدو أن حزب الله معنيّ بعدم إرباك الحكومة اللبنانية في مرحلة الـ60 يوماً ومنحها المزيد من الوقت كي تستنفد قنواتها الدبلوماسية لكبح العدو. كما يرجّح العدو أن يواصل حزب الله ضبط نفسه حتى نهاية المدة المنصوص عليها حتى 27 كانون الثاني المقبل. وينبع هذا التقدير من اعتقاد العدو بأن حزب الله حساس جداً من سيناريو تجدد المواجهة واضطرار المدنيين للنزوح. أما المتغير الذي عزّز فرص التمادي في العدوان الذي يُتوقع أن يستمر تصاعدياً، هو فقدان المقاومة في لبنان لعمقها الاستراتيجي في سوريا بعد إسقاط النظام، واستبداله بقوى لا تخفي عداءها للمقاومة في لبنان ومحورها. وهو من أهم الإنجازات التي دفعت قادة العدو للتبجّح بالفرص الاستراتيجية التي وفّرها المتغيّر السوري في مواجهة المخاطر الاستراتيجية، ومنها تقدير العدو بتعاظم العقبات والموانع لإعادة بناء وتطوير قدرات حزب الله التي كان يعدّ لها في مرحلة ما بعد الحرب، وأن الحزب أصبح أكثر حذراً من أي خطوة رد تنطوي على احتمال التدحرج إلى مواجهة مع العدو. هذا إلى جانب أن المتغيّر السوري يساهم في دفع العدو للتمادي في اعتداءاته وردوده على أي رد من قبل حزب الله.
رغم ذلك، تؤكد التجارب أن تمادي العدو في اعتداءاته قد يدفعه للدوس على لغم يطيح بكل تقديراته ورهاناته، من قبيل عدم الانسحاب بعد انتهاء مدة الـ 60 يوماً، أو غير ذلك، ما قد يدفع المقاومة إلى القرار – اللاخيار، لمواجهة هذا السيناريو، مهما كانت التداعيات والمخاطر. ولكن إلى ذلك الحين المؤكد أن لا مستقبل لاستمرار الاحتلال لجنوب لبنان وهذا ما ستؤكده الأشهر المقبلة.