الديار: عبد الهادي محفوظ-
«أوروبا متشائمة ولا تطمئن إلى السياسة الأميركية في لبنان التي تراعي إلى حد بعيد السياسات الاسرائيلية في تواصل الإعتداءات على الجنوب اللبناني واغتيال قيادات في حزب الله وتبرير التحرش على قوات اليونيفيل في مخالفة واضحة للقرار 1701».
هذا التشاؤم الأوروبي جاء على لسان ديبلوماسي أمني كان قد رحّل عائلته من لبنان إلى بلده باعتبار أن لا ضمانات حتى لعائلات الديبلوماسيين وهو يتوقع أياما صعبة باعتبار أن هناك لائحة تضم 40 قياديا في حزب الله أعطت واشنطن الضوء الأخضر باغتيالهم.
وهذا الديبلوماسي يرى أن انتقال حزب الله إلى ممارسة العمل السري لا يحميه كفاية لسبب بسيط هو أن اسرائيل تخترق لبنان بعملاء ومخبرين وطائرات مسيّرة تزوّدها بمعلومات حول حركة حزب الله.
و»الضوء الأخضر» الذي أعطته واشنطن لإسرائيل لا يتضمن مراجعتها قبل الإقدام على عملية الإغتيال. وأكثر من ذلك بعد مطلع رأس السنة يشمل الضوء الأخضر عمليات عسكرية من الحدود إلى نهر الأولي تشمل عرضيا حتى ثكنات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
وتتوقع المصادر الديبلوماسية الأوروبية أن يكون حجم الضربة الاسرائيلية كبيرا لا يقطع الطريق عليها إلا تفاوض أميركي إيراني غير متفاهم عليه حتى الآن رغم التحول الجديد بكلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يعتبر أن معالجة الملف النووي الايراني لا تتم إلا عن طريق الديبلوماسية.
والمفارقة أن واشنطن التي تعتبر أن المؤسسة العسكرية اللبنانية هي الضامنة من الفوضى وامتدادها إلى العمق العربي لا تسهّل عمليا انتشار الجيش اللبناني في الجنوب عندما تتيح لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو مواصلة عملياته العسكرية وصولا إلى أبواب صيدا كما تعطيل حركة قوات اليونيفيل بتوسيع التمدد العسكري الاسرائيلي داخل الحدود وإقامة المنطقة العازلة وحتى ضم المناطق السورية التي تحتلها اسرائيل حاليا.
وأكثر من ذلك استخدام الطيران الاسرائيلي فوق العراق كرسالة إما للجم وصول رئيس وزراء عراقي موالي لإيران أو لإحداث فوضى في العراق مشابها للوضع في سوريا في حال تسلم المالكي رئاسة الحكومة أو البديل المشابه له الموالي لإيران.
وبهذا المعنى فإن واشنطن تستخدم لغة ملتبسة. فهي من جهة تعتمد الشراكة الأميركية – السعودية وما تعنيه من تغليب «خيار السلام» والسياسة الأميركية – الأميركية. ومن جهة أخرى تعتمد السياسة الأميركية – الاسرائيلية باتجاه لبنان وسوريا والعراق وإيران على السواء.
والواضح أن ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان حذر في تعاطيه مع الوضع. وهو طلب إلى مناصريه في لبنان تهدئة العلاقة مع الطائفة الشيعية والإنفتاح عليها.
وهذا يتعارض مع السياسة الأميركية – الاسرائيلية. ولذلك في هذه الحالة ليس مستعدا للتطبيع مع اسرائيل التي تحاول تعطيل مبادرة السلام في غزة وفي المنطقة. والأرجح بحال كهذه أن توازن الإدارة الأميركية بين شراكاتها مع المملكة ومع «الضوء الأخضر» الذي تعطيه لاسرائيل في محاولة منها لفرض مقاربتها مع إيران التي تعتبرها تعاني من نقص كبير في المياه بعد أن نجحت هي واسرائيل بتسميم أجواء طهران وجعل مياهها غير صالحة.
وهكذا فإن المنحى السعودي العام هو الحؤول دون فتنة لبنانية داخلية. وهذا مؤشر ايجابي للمملكة يلقى احتضانا شيعيا وسنيا ودرزيا وتفهما مسيحيا من قاعدة واسعة.
لكن ينبغي الإلتفات إلى أن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص يلاقي اعتراض تركيا التي تملك «أوراقا في الشمال اللبناني وفي الفرقة 84 السورية أي فرقة الغرباء» المرجح حسب معلومات غربية تحريكها بمواجهة مع حزب الله على الحدود البقاعية.
وهذا أمر لا تعترض عليه واشنطن كونه يضع فرقة عسكرية من أصول أخوانية في مواجهة مع حزب الله تضعف الإثنين معا خصوصا بعد «إشارات أميركية» بتصنيف الأخوان المسلمين مجموعات إرهابية.
واضح أن اللوحة شديدة التعقيد والمخارج ليست سهلة وإن لم تكن مستحيلة. فالتوازنات قد تطيح بكل الحسابات وتصيب الخارج الاقليمي والدولي على السواء. أما التوصيف البريطاني للوضع في لبنان بأنه هش فإنه يطرح سؤالا « عن المجازر المرتقبة في سوريا» التي تتحدث عنها أوساط ديبلوماسية وأمنية غربية.

