Site icon Lebanotrend

الديار: استهداف الكنائس في سوريا: بين الرواية الرسمية وتبدّد الحقيقة

الديار: عبد المنعم علي عيسى-

كانت حادثة استهداف كنيسة «مار الياس» بحي الدويلعة بدمشق يوم 22 حزيران الفائت، والتي كان من نتيجتها سقوط 25 من الضحايا و 63 من الجرحى، الأولى من نوعها بعيد سقوط نظام بشار الأسد شهر كانون الاول من العام الماضي، وإذا ما كانت السلطات السورية قد حملت «تنظيم الدولة الإسلامية» المسؤولية عن القيام بذاك الفعل، فإن تنظيما آخر يطلق عليه اسم «سرايا أنصار السنة» أعلن عن تبنيه له، كما توعد هذا الأخير، في بيان التبني آنف الذكر، بتنفيذ «العديد من الهجمات ضد النصارى والمرتدين من العلويين والدروز».

 

وقد شكل إعلان «أنصار السنة» إحراجا للسلطات التي ألقت بالمسؤولية على تنظيم آخر، ولإيجاد مخرج لهذا التناقض صرح مصدر حكومي بعد أيام بأن «أنصار السنة لا تعمل بشكل مستقل عن تنظيم الدولة الإسلامية»، والجدير ذكره في هذا السياق أن جهات محسوبة على السلطة كانت قد أفادت بإن التنظيم «وهمي، ولا وجود له إلا على الفضاء الإفتراضي»، على نحو ما قاله عصمت العبسي، الخبير العسكري والباحث السياسي، وفقا للتوصيف الذي عرفته به قناة «الحدث» التي أجرت لقاء معه بعيد تلك الحادثة .

أعلنت وزارة الداخلية السورية في بيان لها نشرته يوم الأربعاء، 6 آب، إن «قوات الأمن الداخلي في محافظة طرطوس أحبطت مخططا إرهابيا لتفجير كنيسة مار الياس المارونية في قرية الخريبات بمنطقة صافيتا في محافظة طرطوس الساحلية»، كما نشرت الوزارة صورا تظهر عبوة ناسفة كانت بحوزة «المتهمين»، وأوراقا تحمل عبارات التهديد لأهل المنطقة، وأضاف البيان إن «وحدة المهام الخاصة، ومن خلال كمين محكم، أوقعت خلية إرهابية مرتبطة بفلول النظام السابق»، وكان العقيد عبدالعال محمد عبد العال، مدير الأمن بطرطوس، قد ذكر في منشور على حسابه الخاص أن «معلومات استخباراتية دقيقة قادت إلى رصد خلية مرتبطة بفلول النظام كانت تستهدف الكنيسة»، وأضاف «تم إلقاء القبض على عنصرين من الخلية كانا في طريقهما لتنفيذ عمليات إرهابية في كنيسة مار الياس المارونية»، وفي اليوم نفسه نشرت وكالة «سانا» الرسمية على «انستغرام» صورا لـ«عنصري الخلية الإرهابية، رمزي حمود ومنذر علي، المتورطين في محاولة استهداف الكنيسة» .

 

ثمة «ثقوب» عدة في تلك الرواية، أولها إن «الحادثة» وقعت قبل نحو ثلاثة أسابيع على الإعلان عنها، والجدير ذكره في هذا السياق إن «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، كان قد أفاد في منشور له، يوم 14 تموز الفائت، بـ«توقيف ثلاثة أشخاص يشتبه في تخطيطهم لتنفيذ هجوم إرهابي قرب كنيسة مار الياس بالخريبات»، والجدير ذكره أيضا إن الكنيسة نفسها كانت قد أعلنت، منتصف شهر تموز، عن «اكتشاف سيارة مفخخة معدة لاستهداف الكنيسة»، وهي «تحمل منشورات تحريضية تدعو إلى العنف وقتل المسيحيين»، وأضافت الكنيسة إنها «أبلغت السلطات الأمنية بذلك»، وهذا يزيد من مصداقية خبر الذي «المرصد السوري» آنف الذكر، وهذا يقود إلى السؤال عن الأسباب التي جعلت السلطات «تصوم» ثلاثة أسابيع قبيل نشر الخبر، ثم لماذا لجأت هذي الأخيرة إلى الإعلان عنه في هذا التوقيت ؟ والراجح هنا أن الأمر له علاقة بالمحادثات الروسية السورية التي جرت بموسكو أواخر شهر تموز المنصرم، وبهذا المعنى يصبح الإعلان، في هذا التوقيت، محاولة للتسديد على «المرمى» الروسي، فوفقا لتقارير غرببة جاءت على ذكر تلك المحادثات «ذكر الروس بخطورة السياسات التي تنتهجها السلطة المؤقتة حيال الأقليات»، وإن ذلك سيضع «العديد من الدول الداعمة لتلك السلطة في موقع محرج»، وثانيها، يمكن لحظه عبر منشور «المرصد» الذي تلا بيان وزارة الداخلية السورية مباشرة، والذي قال فيه «أفاد جيران المعتقلين أن الأشخاص الذين جرى توقيفهم كانوا ضالعين بعملية سرقة كابلات كهربائية».

 

وأضاف و«قد عثر بحوزتهم على أسلاك كهربائية ونحاسية»، وبذا تصبح هناك رواية أخرى مخالفة تماما للرواية الحكومية، الأمر الذي تكرر حدوثه لعشرات المرات، بل إن كل حادثة أمنية يجري الإعلان عنها تحيط بها روايات عديدة، وهي تتناقض، جزئيا أو كليا، مع الرواية الحكومية لها، ومن المؤكد أن الفعل، الذي كثيرا ما يضيف المزيد من الضباب للمشهد السوري، كثيرا ما يرمي أيضا بحمولاته على العلاقة القائمة ما بين السلطة وبين الشارع عموما، وبينها وبين «الأقليات» على وجه التحديد .

 

ذكرت وكالة «أنباء آسيا» في تقرير لها إن «العنصرين على صلة بمجموعات متطرفة تعمل على إعادة تنشيط خلاياها في الساحل السوري»، وأضاف التقرير إنه «عثر على راية سوداء بحوزة العنصرين، وهي ترمز الى تنظيم متشدد»، والسؤال الذي يبرز مباشرة هو: ما هو هذا التنظيم؟ وما هي أهدافه؟ ثم ألا يجب على السلطات «التعريف» به، وبمراميه؟ بعيد أن تستكمل التحقيقات التي قيل إنها بدأت فور إلقاء القبض على المتهمين، الذي حدث وفق رواية «المرصد» قبيل نحو ثلاثة أسابيع، وإذا ما صحت تلك الرواية، فإن القائم بالفعل، أو من وراءه، ضنين بالفواعل التي تقود إلى تفكيك المجتمعات، إذ لطالما كان من نافل القول أن استهداف دور العبادة يمكن له أن يترك آثارا نفسية ومجتمعية بالغة الخطورة على بنيان المجتمعات، ومن شأنها تأجيج الغضب والاحتقان الطائفيين بدرجة يصبح معها الرجوع إلى الوراء أمرا صعبا، إن لم يكن شبه مستحيل .