Site icon Lebanotrend

الحكومة تطوّع 1500 جندي: إرضاء الأميركيين ولو من جيوب اللبنانيين

الأخبار: لم تنتظر المرجعيّات السياسيّة والعسكريّة أن تبدأ السفارة الأميركيّة ممارسة الضغوط على الجيش للانتشار في الجنوب في المرحلة المقبلة، بل بدأ هؤلاء بإرضاء رغبات «الرّجل الأبيض» والبعث برسائل «حُسن النيّة والسلوك» باكراً، عبر فتح باب تطويع المُجنّدين إلى الجيش اللبناني.

 

«حُلم التطويع» يعود شهوراً إلى الوراء، عندما حمل قائد الجيش العماد جوزيف عون خطّته لتطويع 6 آلاف جندي على مراحل، وطرحها على الأميركيين خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، من دون أن يُطلع أياً من المسؤولين في الدّولة اللبنانية عليها.

 

إلا أنه لم يُفلح في تسويق خطّته، بعدما رأى الأميركيون أنّ هناك مُبالغة في الموازنة التي وصلت إلى نحو مليار دولار لإنجاز مراحل التطويع.

الخطّة وصلت أيضاً إلى الأمم المتحدة التي سأل أحد مسؤوليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن «الموازنة الخياليّة» التي وضعتها قيادة الجيش للتطويع، مستشهداً بتجربة «اليونيفل» مع 25 ألف عسكري وتقني منتشرين في الجنوب، لا تتعدّى موازنتهم الــ54 مليون دولار.

غير أن قائد الجيش لم ييأس، فكلّف مدير مكتبه ومستشاره، العميد وسيم الحلبي، أن يجول على سفراء الاتحاد الأوروبي لإقناعهم بتمويل خطّة التطويع، والتركيز على فرنسا خصوصاً. إلا أنّ الحلبي عاد خالي الوفاض بعدما رفضت غالبية الدّول منح موازنة تطويع الجنود.

ميقاتي «يتبرّع» بالإقناع وسليم يعترض

مع ذلك، أصرّ عون على خطّته، بعدما وافق العديد من الأحزاب السياسيّة باعتبار أن باب التطويع هو جزء من «الوصول» إلى أصوات الجمهور. ولذلك، أخذ ميقاتي الأمر على عاتقه، واعداً بفتح هذه القضيّة في مجلس الوزراء، وهو ما حصل في جلسة في آب الماضي حينما حصل على موافقة مبدئيّة، «بهدف التّعاون مع اليونيفل لتنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته».

هذه الموافقة المبدئيّة تحوّلت في جلسة أمس إلى حقيقة بعد تمرير بند الطّلب من وزارة المال الموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى إعطاء وزارة الدّفاع الوطني – قيادة الجيش سلفة خزينة لتغطية عمليّة التطويع، من دون موافقة وزير الدّفاع موريس سليم أو حتّى علمه بهذا البند! وهو ما دفع بسليم إلى إصدار بيان تحدّث فيه عن هذا التجاوز، نافياً أن يكون ضدّ التطويع وتعزيز الجيش «كما تسوّق الغرف السوداء». واتّهم الوزراء المُشاركين في تجاوز صلاحياته بأنّهم «شهود ومشاركون في مخالفة الدستور والقوانين لإرضاء هوس البعض في التفرد وممارسة التسلط على مؤسسة الجيش لأسباب لم تعد خافية على أحد».

 

الصرّاف: التسليح أوّلاً

وبغضّ النّظر عن تمرير البند، إلا أنّ هذا الأمر طرح العديد من علامات الاستفهام حول أسباب التطويع، وتكبّد خزينة الدّولة خسائر ماليّة مع وجود حلول أُخرى أكثر اقتصاديّة.

 

وهو ما يقوله وزير الدّفاع السابق، يعقوب الصرّاف، الذي يؤكّد معارضته فكرة التطويع في ظلّ وجود نحو 85 ألف جندي في الجيش، ربعهم مكلّف بمهام إدارية.

 

وأشار الى أن المشكلة تكمن في أنّ هؤلاء يعملون لنحو 3 أيّام في الخدمة وليس بدوامٍ كامل، بسبب الأزمة الاقتصاديّة. وبالتالي، فإنّ الأجدى من فتح باب التطويع هو تحسين رواتب هؤلاء وتمكينهم من الخدمة الفعليّة لكل أيّام الأسبوع، تماماً كما في كلّ جيوش العالم، إضافةً إلى وجود 4 أفواج احتياط مؤلّفة من أكثر من 6 آلاف جندي يُمكن استدعاؤهم في هذه الظروف.

 

الصرّاف: التسليح وتحسين رواتب 85 ألف جندي أفضل من فتح باب التطويع

ويعتبر أنّ الهدف من فتح باب التطويع هو «الاستفادة الانتخابيّة»، من دون أخذ تكاليفها في الاعتبار، إذ إنّها تكبّد الكثير من الخسائر، لأن كلّ عسكري في الخدمة وحتّى بعد التقاعد، يضع نحو 5 أشخاص على ذمّة الجيش من حيث التكاليف لناحية تغطية بعض الخدمات، وعلى رأسها الخدمات الاستشفائيّة، إضافةً إلى راتبه الذي يبقى مستمراً حتّى بعد تقاعده.

ويستغرب الصرّاف زيادة عديد الجيش قبل تجهيزه فعلياً وهو ما ينبغي أن تكون له الأولويّة، لأنّ الدّول الغربيّة ترفض تسليح الجيش، وآخر شحنة سلاح حقيقيّة دخلت البلاد كانت عام 1996 وفي عهد الرئيس إميل لحود. وعن مهام الجيش، يشدّد على أن «لا شيء في العلم العسكري يُسمّى انتشاراً.

 

وبالتالي، علينا تحديد مهام الجيش الذي يفترض أن يكون في الجنوب، خصوصاً أنّ الذرائع المعطاة للتطويع هي للانتشار من دون تحديد المهام وتصويرها وكأنّها أشبه بمهمّة الجلوس عند الحدود ليس إلا، ومن دون الخوض في نقاشات التسليح وكيفيّة تأمينه، علماً أنّ هذا هو المهم».

 

متقاعدون: استدعونا من الاحتياط!

ويشير أكثر من عسكري متقاعد إلى أنّه كان الأوْلى بقيادة الجيش استدعاءهم في ظلّ هذه الظروف باعتبار أنّهم مدربون ولا حاجة إلى تدريبهم كما هو الحال بالنسبة إلى المجندين الجُدد، لافتين إلى أنّ المُشرّع أجاز استدعاء هؤلاء خلال مدّة 5 سنوات بعد تقاعدهم في ظلّ الظروف الطارئة، متسائلين: «إذا لم يتم استدعاؤنا في هذه الظروف فمتى يتم ذلك؟».

ويستند هؤلاء الى المادّتين 130 و131 من قانون الدّفاع الوطني اللتين تحددان الاحتياطيين ومدّة الاحتياط، إضافةً إلى مرسوم «تنظيم دعوة الاحتياطيين إلى الخدمة في الجيش» الصادر عام 1992، والذي يقسّم الاحتياط إلى 3 فئات وإمكانية أن تستدعي وزارة الدّفاع الاحتياطيين ومدّتهم، إضافةً إلى الإعفاء المؤقت من الخدمة في الاحتياطي والموجبات على الاحتياطيين.

ويستذكر العسكريون استدعاء المتقاعدين والمسرّحين من الخدمة في السبعينيّات، واستدعاء بعض التقنيين والمتخصصين في تصليح الطائرات الحربيّة خلال معركة نهر البارد. ويلفتون إلى أنّ استدعاءهم لا يكبّد الخزينة خسائر إضافيّة، خصوصاً أنّهم يتقاضون 75% من الرواتب التي يتقاضاها العسكريون في الخدمة الفعليّة، مع استمرار تمتّعهم بالخدمات الاستشفائية مع عائلاتهم.

تطويعٌ بالتحايل!

تُشير مصادر متابعة إلى أنّ عمليّة التطويع التي مُررت خلال جلسة مجلس الوزراء أمس ليست الأولى من نوعها في الفترة الأخيرة، لافتة إلى عمليّات تطويع «من تحت الطاولة» تقوم بها قيادة الجيش من خلال «التّحايل» على الدّولة. وأوضحت أنّ القيادة لا تزيد من عديد الجيش في القيود المُرسلة إلى وزارة المال، خصوصاً أنّ الموازنة المُقرّة أوصت بعدم التقاعد أو التطويع في الإدارات العامة والأسلاك العسكريّة، ولكن ما يحصل هو القفز عن هذا المنع عبر تطويع عدد من العسكريين عبر مكتب قائد الجيش وبعد أن يخضع هؤلاء لفحوصات طبيّة. ويتم إدراج المجنّدين الجدد في القيود بالأرقام الماليّة نفسها التي تعود إلى عسكريين فرّوا من الخدمة العسكريّة أو مُسرّحين تأديبياً. وعليه، لا تتغيّر موازنة الجيش لدى وزارة المال رغم التغيّر الفعلي الحاصل!