عماد مرمل –
تتصاعد الحرب المالية الأميركية على «حزب الله» بالترافق مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، في محاولة لوضع «الحزب» بين فكّي كماشة ودفعه إلى تسليم أسلحته، وهو امر غير وارد ضمن خياراته مهما كانت الكلفة عليه.
الحصار المالي الذي تفرضه الولايات المتحدة على «حزب الله» ليس جديداً، وهو استطاع طوال السنوات الماضية التعايش معه والالتفاف عليه، بحيث ظل قادراً على تأمين نفقات موازنته السنوية الضخمة، التي تغطي مجالات اجتماعية وصحية وتربوية وإنسانية واسعة.
وحتى عندما انهار القطاع المصرفي بعد حراك 17 تشرين الأول 2019، بقي «الحزب» في منأى عن تداعيات هذا الانهيار، كون العقوبات والملاحقات وضعته خارج المنظومة المصرفية، ودفعته إلى اعتماد بدائل عنها، فكان «الناجي» الوحيد تقريباً من غرق سفينة المصارف.
لكن، وبعد حرب 2024 الإسرائيلية على لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، واللذين أتيا ضمن سياق محاولة إعادة هندسة الشرق الأوسط وتوازناته، قرّر الأميركيون في ظل إدارة دونالد ترامب، شدّ الخناق المالي أكثر فأكثر على «الحزب» وتجفيف ينابيعه، مفترضين انّ البيئة الاستراتيجية في لبنان والإقليم باتت مؤاتية للإطباق عليه.
غير أنّ «الحزب» استطاع حتى الآن امتصاص الصدمات وتأمين السيولة التي يحتاجها، خصوصاً انّ لديه متطلبات ملحّة تتصل بتعويضات الإيواء والترميم للمتضررين من العدوان الأخير إضافة إلى الإنفاق في الميادين الأخرى، ما دفع وفد وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن القومي خلال زيارته الأخيرة لبيروت، إلى رفع وتيرة الضغط في اتجاه اتخاذ تدابير أوسع نطاقاً وأشدّ تأثيراً، سعياً إلى منع وصول الاوكسيجين كلياً إلى رئة «الحزب».
ولم يعد خافياً انّ مؤسسة «القرض الحسن» مدرجة ضمن بنك الأهداف الأميركية، وانّ هناك إشارات متزايدة إلى احتمال صدور قرار رسمي بحظرها، الأمر الذي حاول الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم استدراكه من خلال خطابه الأخير، بتشديده على أنّ «القرض الحسن» مؤسسة اجتماعية لتيسير حياة عموم الناس والفقراء، ناصحاً «الحكومة ومصرف لبنان بوقف الإجراءات التي لا تضيّق فقط على «حزب الله» وجمهوره بل على جميع اللبنانيين».
ويبدو واضحاً انّ «الحزب» لن يتساهل بتاتاً إزاء اي تدبير يمكن أن يصدر في حق مؤسسة «القرض الحسن»، التي تشكّل متنفساً حيوياً لبيئته َوأحد شرايينها الأساسية، وبالتالي فإنّ قطع هذا الشريان سيُلحق الضرر المباشر بتلك البيئة الواسعة وليس بالتنظيم في حدّ ذاته، وهو ما سيشرّع الباب أمام انفجار أزمة كبيرة، وربما سيُطلق شرارة احتجاجات شعبية ضدّ حكومة الرئيس نواف سلام، خصوصاً انّ القلوب ملآنة والنفوس محتقنة.
وإذا كان قد أُمكن قبلاً، وبصعوبة، احتواء تداعيات مشكلة واقعة صخرة الروشة، ثم الإشكال مع جمعية «رسالات»، فإنّ «الحزب» يوحي بأنّ أي تعرّض لمؤسسة «القرض الحسن» سيمثل تصعيداً شديد الخطورة ضدّه وضدّ الشريحة الشعبية التي يمثلها، وسيكون كناية عن نقطة تحول، من شأنها ان تؤدي إلى أن يطفح الكيل.
من هنا، أراد الشيخ قاسم عبر موقفه التحذيري، أن يدقّ جرس الإنذار قبل فوات الأوان، وأن يوجّه رسالة استباقية إلى مسؤولي الدولة اللبنانية، بأنّ عليكم أن تتفادوا الوقوع في المحظور، في نوع من تبرئة الذمّة حيال أي ردود فعل قد يرتبها إغلاق «القرض الحسن»، على قاعدة: «مش كل مرّة بتسلم الجرّة».
فهل سيلتقط أصحاب القرار الرسالة، أم انّهم سيواصلون المسار الذي بدأ، مهما كان الثمن؟

