لينا فخر الدين-
اختتم محقّقو «أمن الدولة» التحقيق مع أمين خزنة بلدية بيروت (خ. أ. ع.)، الذي مضى أكثر من 10 أيام على توقيفه بتهمة سحبه 330 ألف دولار ودفعها لضباط فوج الإطفاء، من دون إذن. وعليه، ادّعى النائب العام المالي، ماهر شعيتو، على الموقوف بمادتين جنحيتين تتعلّقان بالإخلال بالوظيفة وتعدّي حدودها، وهدر المال العام، قبل أن يحيل الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت رلى عثمان، التي أصدرت مذكّرة توقيف وجاهية بحق الموقوف، لتكمل جلسات استجوابه، التي كان آخرها أول من أمس.
ولا يبدو أن الملف سيقتصر على هذه القضية، بعدما توسّع «أمن الدولة» في التحقيقات وأُخضع الموقوف لاستجواب مُفصّل حول أكثر من ملف، قبل أن يتبيّن وجود فجوة مالية في الخزنة تُقدّر بأكثر من 120 ألف دولار. كما علمت «الأخبار» أن ديوان المحاسبة الذي سبق له أيضاً أن قارن بين الأموال الموجودة في الخزنة وقيود الإيرادات والنفقات، تبيّن له وجود فجوة مالية، من دون أن يحدّد مراقبو الديوان ما إذا كان المبلغ المفقود تمّ اختلاسه أو أن القيود مُسجّلة بطريقة غير صحيحة. ولذا، سيقوم الديوان برفع تقريرٍ ثانٍ أكثر تفصيلاً خلال الأيام المقبلة.
وعلمت «الأخبار» أيضاً أن الموقوف نفى خلال استجوابه اختلاسه أي مبلغ من المال، مُبرِّراً الفجوة المالية بأنه أعطى المبالغ الناقصة للمتعهّدين الذين يقومون بتنفيذ أشغال للبلدية، بعد حجز النفقات إثر قرارات صادرة عن المجلس البلدي، ولكن لم يُصَرْ إلى إصدار أوامر صرف لهذه المبالغ أو حتى تدوينها في القيود، وهو ما يخالف القوانين.
واللافت أن الموظف البلدي أخذ خلال أيام توقيفه يستذكر أسماء هؤلاء المتعهّدين، مع إصراره على أنه نسيَ بعضها! وعليه، قام محقّقو «أمن الدولة» باستدعاء نحو 10 متعهّدين ذكر الموقوف أسماءهم، وبعض هؤلاء أقرّ بقبضه أموالاً من البلدية، فيما أنكر البعض الآخر ذلك. ويبدو غريباً، في هذا الإطار، ردّ أحد ضباط فوج الإطفاء الأموال التي قبضها سابقاً من الموقوف، ورهن موظف بلدي منزله من أجل تأمين مبلغ مالي لسداد الفجوة المالية، وذلك دفاعاً عن زميلهما الذي يعتبرونه بريئاً و«آدمي»!
واتّجاه الملف إلى إمكانية الادّعاء على الموقوف بتهمة الاختلاس، أدّى بوكيله المحامي علي عباس إلى التنحّي عن متابعته، كونه يتابع منذ سنوات قضايا الفساد في البلدية وقدّم عشرات الإخبارات إلى القضاء فيها. وكان آخرها الإخبار المتعلّق بالتزام البلدية بإعطاء سلف مالية للمتعهّدين وعدم فتح باب المناقصات، خلافاً لقانون الشراء العام. ولذا، حضر عباس مع الموقوف الجلسات المتعلّقة بسحب الـ 330 ألف دولار – تحت عنوان قناعته بضرورة تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة – ومن ثمّ تنحى عن الملف.
في المقابل، يتابع العديد من المعنيين عن كثب مسار التحقيقات، ويستغرب بعضهم إصرار الموقوف على «حملِ» الملف وحيداً، إذ يواظب على الإقرار بعدم سحب الأموال من دون إذن، لا من المحافظ ولا من أيّ مسؤول آخر، وهو ما أدّى إلى بعض المعنيين إلى إرسال أكثر من رسالة إلى (خ. أ. ع.) كي يعترف بـ«الحقيقة كاملة»، من دون التستّر على مسؤولية بعض زملائه، وهي أيضاً الرسالة التي وصلته من والدته. وينطلق المعنيون من أن اعترافات أمين الخزنة خلال التحقيق معه في مديرية أمن الدولة ولدى استجوابه من قبل قاضي التحقيق الأول لا تتطابق مع ما أدلى به في بعض جلساته داخل البلدية.
ومن إحدى الوقائع التي اعترف فيها الموظف هي طلب أحد أعضاء المجلس البلدي ورئيس إحدى اللجان المالية منه في محادثة موثّقة على «واتساب» (يحتفظ بها (أ. ع.) على هاتفه وأَطلع عليها بعض المسؤولين) أن يدفع الأموال للشركة التي تبيع البنزين والمازوت بغية إنارة الشوارع والأنفاق والمباني وتشغيل السيارات، متعهّداً بتمرير هذا البند في أول جلسة للمجلس البلدي، وبموافقة رئيسه إبراهيم زيدان! ورغم وجود الوثائق التي تثبت هذه الواقعة، إلّا أن الموقوف يصرُّ على عدم إطلاع المحقّقين عليها، وتحمّل مسؤولية المخالفات الثابتة بحقّه، وحيداً.
ومن المتوقّع أن يختم «أمن الدولة» تحقيقه بشأن الفجوة المالية خلال اليومين المقبلين، وأن تكون اعترافات الموقوف حاسمة في ادّعاء شعيتو عليه، إمّا بجنحة الإخلال الوظيفي أو بجناية الاختلاس (في حال لم يتم إثبات وجهة المبلغ المفقود)، قبل إحالة الملف إلى عثمان.

