Site icon Lebanotrend

الأخبار: مسألة الأقليات تزداد تعقيداً: الخيوط السورية تُفلت من يد واشنطن

جاء بيان مجلس الأمن بمثابة إنذار لإدارة الشرع، مؤكداً أنها سلطة مؤقتة ملزَمة بالانتقال السياسي وفق القرار 2254، وسط تصاعد تعقيدات المشهد السوري.

الأخبار: عامر علي-

لا يمكن اعتبار البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، أول من أمس، مجرّد إدانة للمجازر وأعمال العنف التي شهدتها محافظة السويداء جنوبي سوريا، فحسب، بل قد يكون جرس إنذار للإدارة السورية الجديدة، التي يقودها الرئيس في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عنوانه أن الحصانة التي منحتها إيّاها واشنطن، بعد انفتاح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عليها، لم تعُد قادرة على حمايتها من إجراء تغييرات، وإن قسرية، خصوصاً أن البيان تمّ التوقيع عليه بإجماع الأعضاء الـ15، بمن فيهم الولايات المتحدة نفسها.

 

وشدّد البيان الرئاسي على ضرورة الالتزام بالقرار 2254، حول الانتقال السياسي في سوريا، الصادر عام 2015، والذي ينصّ بشكل صريح على إتمام عملية انتقالية ضمن فترة محدّدة (18 شهراً) تُجرى خلالها انتخابات نزيهة لإعادة بناء نظام سياسي مراقَب أممياً، ويضمن مشاركة جميع السوريين بعد حوار سوري – سوري، ووقف الأعمال القتالية، وقمع العمليات الإرهابية (بما فيها تنظيم داعش وجبهة النصرة – هيئة تحرير الشام لاحقاً -)، على أن تتم هذه الإجراءات بالشراكة مع الأمم المتحدة.

 

والواقع أن التذكير بالقرار 2254، والذي اعتبرته «هيئة تحرير الشام» ساقطاً مع سقوط نظام بشار الأسد، وتسلّمها إدارة البلاد، يفتح الباب مجدّداً على إشكاليات عديدة تواجه الإدارة الجديدة، أبرزها استمرار تصنيف «تحرير الشام» وزعيمها «أحمد الشرع» على قوائم الإرهاب.

 

ويأتي ذلك على الرغم من الجهود الأميركية المستمرة لشطب اسمه، ومحاولة القفز على هذا القرار عبر الإيحاء بدعم السلطات الحالية في سوريا، والتي تحمل صفة «انتقالية» لمدة خمس سنوات وفقاً لما قرّره الشرع، بدلاً من المدة المحدّدة وفق القرار (عام ونصف عام).

 

وخضع البيان الرئاسي، الذي قدّمته الدنمارك، لمناقشات عديدة في أروقة المجلس، في ظل وجود اعتراضات أميركية على بعض بنوده، خاصة المتعلقة بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، والتي جرى استبدالها بإدانة التدخل الخارجي. ويضاف إلى ذلك، الاعتراض الصيني على غياب أي إشارة إلى العناصر والفصائل الأجنبية، لتتمّ إضافة فقرة خاصة تؤكد «أهمية مكافحة جميع أشكال الإرهاب في سوريا»، وتبدي قلق المجلس البالغ من «حدة التهديد الذي يشكّله المقاتلون الإرهابيون الأجانب»، والذي نبّه البيان إلى أنه «قد يؤثّر في المناطق والدول الأعضاء جميعاً».

 

لن تساهم المفاوضات الجانبية، والمتعثّرة فعلياً، في ظل التجاذب التركي – الفرنسي، والتركي – الإسرائيلي، في حل الأزمة السورية

واللافت في البيان الرئاسي، الذي يُعتبر الأول من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد، أنه جاء عقب المجازر التي شهدتها محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، على أيدي فصائل تابعة أو مرتبطة بالإدارة الجديدة التي حاولت فرض سطوتها بالقوة، علماً أن المجلس كان فشل في إصدار بيان مماثل عقب المجازر التي شهدها الساحل السوري في آذار الماضي. ولربما يؤشر هذا التحول إلى فداحة السلوك المتراكم من جانب الإدارة، بشكل لم يعد ممكناً تجاهله، على الرغم من الاحتضان الأميركي للشرع.

 

ويؤكد البيان أن موقف مجلس الأمن من السلطات الحالية في سوريا لم يتغيّر؛ إذ أشار إليها، في أكثر من موقع باعتبارها «سلطة مؤقتة»، كما منح المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي غاب تقريباً عن المشهد السياسي مع صعود نجم المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك، إسناداً، عبر تأكيد دعم دور بيدرسن في تطبيق القرار 2254.

 

وبدا لافتاً تزامن خطوة المجلس مع «كونفرانس وحدة الموقف لمكوّنات شمال وشرق سوريا»، الذي عقدته «الإدارة الذاتية» الكردية في الحسكة، وشارك فيه الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري، ورئيس المجلس الديني الإسلامي العلوي، الشيخ غزال غزال. والجدير ذكره، هنا، أن المؤتمر خلص إلى التشديد على إقامة نظام حكم علماني لامركزي في سوريا، على عكس محاولة حكومة الشرع فرض سلطة مركزية قائمة على خلفية دينية، ما يعني فعلياً وجود طرف ذي وزن على الساحة السورية، بات يمتلك حضوراً في الشمال الشرقي، والجنوب، وغربي سوريا (الساحل الذي يعيش فيه العلويون الذين تحدّث غزال باسمهم)، لن يسمح للشرع بالاستفراد بالحكم.

 

وبينما تحاول الولايات المتحدة، عبر مختلف قنواتها السياسية، تصدّر إدارة المشهد السوري، من خلال السعي لشطب اسم الشرع من قوائم الإرهاب الأممية، بعد شطب اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية، بالإضافة إلى قيادة وساطة بين «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) وهذه الإدارة، وإجراء مفاوضات أخرى، يستضيفها الأردن اليوم الثلاثاء، لمناقشة ملف السويداء، جاء البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن ليؤكد أن الحل لن يكون عبر مفاوضات جانبية، وإنما بإشراف أممي، وفق عملية شاملة.

 

ويعني ما تقدّم أن المفاوضات الجانبية، والمتعثّرة فعلياً، في ظل التجاذب التركي – الفرنسي (ترعى باريس مع واشنطن مفاوضات قسد والإدارة)، والتركي – الإسرائيلي (حول السويداء)، لن تساهم في حل الأزمة السورية، وإنما ستزيدها تعقيداً، خصوصاً مع استمرار انكشاف حجم الجرائم التي شهدتها سوريا، وما زالت تشهدها، في مختلف المناطق التي تسجّل تواصلاً للحالة الفصائلية، ومحاولة دائمة لتجذير شكل الإدارة التي أنشأها زعيم «هيئة تحرير الشام» سابقاً، «أبو محمد الجولاني»، في مناطق سيطرته شمال غربي البلاد.

 

والجدير ذكره أن هذا الشكل قائم على منح شيوخ وأمراء سلطات مطلقة، واعتبار قراراتهم «قوانين»، وهو ما لا يمكن أبداً تعميمه على سوريا، ولا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق وعود الإدارة بإقامة نظام حكم قانوني ودستوري في سوريا.