الأخبار: المكتوب يُقرأ من بيان مكتب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو. هذا تماماً ما ينطبق على مسرحية مفاوضات الترتيبات الأمنية وفصولها المُستحدثة، والتي تمثّلت بجولات مكوكية يقوم بها الموفد الأميركي توماس برّاك بين بيروت و«تل أبيب»، لتسويق انطباع بأن إدارته تسعى إلى انتزاع خطوة «حسن نية» إسرائيلية، مقابل قرار الحكومة اللبنانية حول «حصرية السلاح».
غير أن البيان كشف ضمناً عن معطيات معاكسة تؤكّد أن الباب مُغلق، وقد يكون من الأفضل للدولة اللبنانية من الآن فصاعداً تجنّب مزيد من الإحراج! فالعدو، عملياً، قطع الطريق على أي مطلب لبناني مقابل ما أقدمت عليه السلطة اللبنانية الخاضعة للوصاية الأميركية – السعودية، ما يذكّر بما سبق أن نقله عدد من الوسطاء، من بينهم ممثّلة الأمم المتحدة جينين هينيس بلاسخارت (التي زارت إسرائيل أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة)، بأن التفاوض يبدأ بعد سحب السلاح بالكامل، ولا شيء أقلّ من ذلك!
ويمكن القول إن برّاك، ومعه الطبّاخون الدوليون، نجحوا في إقناع أركان السلطة قبل وصوله إلى بيروت بأنه يحمل «جديداً» في ملف التسوية مع لبنان. إقناعٌ لم يلبث أن تُرجم في موجة تسريبات عبر قنوات إعلامية محلية مُجنّدة لخدمة الدعاية الأميركية – الإسرائيلية، فضلاً عن تسريبات نقلها موقع «إكسيوس» الأميركي عن ثلاثة مصادر إسرائيلية وأميركية، بأن برّاك بحث مع نتنياهو في «طلب إدارة الرئيس دونالد ترامب من إسرائيل كبح ضرباتها في لبنان، وكذلك في مسار المفاوضات مع سوريا»، مضيفاً أن «لإسرائيل، في ظل الحرب المستمرة في غزة، مصلحة بتهدئة الوضع على حدودها مع لبنان وسوريا والتوصّل إلى اتفاقات جديدة».
وتضمّنت تسريبات الموقع ذاته «خريطة» للمرحلة المقبلة، تتضمّن ترتيبات أمنية جديدة بين إسرائيل ولبنان، وكذلك بين إسرائيل وسوريا، بوصفها خطوة أولى على طريق التطبيع المحتمل للعلاقات في المستقبل.
على هذا الأساس، قرّر بعض الأطراف في لبنان الانسياق خلف الخُدَع الأميركية الجديدة، مترقّبين ما سيحمله برّاك والموفدة مورغان أورتاغوس، اللذان وصلا أمس إلى بيروت في زيارة هي الثانية لهما خلال أسبوع.
زيارةٌ يُعوَّل في ضوئها على تظهير مصير الجولات المكوكية التي يقوم بها الفريق الأميركي بين بيروت و«تل أبيب» بشأن الآليات التطبيقية لاتفاق وقف إطلاق النار.
وكان برّاك استبق انتقاله إلى بيروت بمحطة في إسرائيل، على أمل أن ينتزع من العدو خطوة مقابل خطوة الحكومة اللبنانية التي تبنّت قراراً بسحب سلاح المقاومة مع نهاية العام، وأقرّت ورقة الأهداف الأميركية. ولأن الورقة تشمل أيضاً الجانب السوري، زار دمشق للقاء الرئيس أحمد الشرع قبل وصوله إلى بيروت.
أشاد مكتب نتنياهو بقرار الحكومة نزع سلاح حزب الله: الوقت حان للعمل مع لبنان بروح من التعاون!
غير أنّ مكتب نتنياهو سارع إلى إحراق عنصر «المفاجأة»، معلناً بوضوح أنّ «إسرائيل مستعدّة لدعم لبنان في جهوده لنزع سلاح حزب الله»، رابطاً أي تقليص لوجوده في لبنان بمدى نجاح لبنان بانتزاع سلاح حزب الله. وأشاد المكتب بـ«قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله حتى نهاية 2025» واصفاً إياه بأنه «خطوة جوهرية»، ومؤكّداً أنّ «إسرائيل تقدّر ما أقدم عليه لبنان».
وفي بيانه، وصف مكتب نتنياهو القرار اللبناني بأنّه «فرصة لاستعادة السيادة وبناء المؤسسات»، مشدّداً على أنّ «الوقت قد حان للعمل مع لبنان بروح من التعاون».
ولم تتأخر أورتاغوس، التي حطّت رحالها في بيروت أمس، في إظهار الانسجام التام مع الموقف الإسرائيلي، إذ أعادت نشر البيان على صفحتها في «إكس»، وأرفقته بعلامة شكر.
ويمكن القول إن ردّ رئاسة الحكومة الإسرائيلية على «طلب إدارة الرئيس ترامب من إسرائيل كبح ضرباتها في لبنان»، كما أورده موقع «إكسيوس»، يحمل مؤشّراً سلبيّاً للغاية. فقد ربط العدو الإسرائيلي أي خطوة مقابلة له بسحب السلاح بالكامل، ما يعني العودة إلى الصفر ورفض تقديم أي خطوة مقابلة لخطوة الحكومة اللبنانية، فضلاً عن تلميحاته الواضحة بالتدخل إلى جانب الدولة اللبنانية للتخلص من سلاح المقاومة في حال قرّرت السلطة اللجوء إلى خيارات مواجهة. كما أن الإعلان الإسرائيلي عن الاستعداد للتعاون هو محاولة لاستغلال لحظة داخلية لبنانية حساسة تخدم استراتيجية العدو من خلال صبّ الزيت على نار الفتنة.
وقال مطّلعون إن «ربط الإسرائيلي بدء الانسحاب بعد إتمام عملية نزع السلاح من دون تقديم أي ضمانة يعني عودة إلى الحلقة المُفرغة التي كان الأميركي يضعنا فيها وتقوم على قاعدة: قدّموا التنازلات ومن ثم نرى إسرائيل»، واصفين ما يحصل بأنه «فخّ جديد».
وفيما لم يصدر عن السلطة اللبنانية أيّ تعليق على ما أعلنه مكتب رئيس حكومة العدو، قالت أوساط سياسية إن «على لبنان أن ينتظر ما سيكشف عنه كل من برّاك وأورتاغوس والوفد المرافق لهما (يضمّ شخصيات عسكرية والسيناتور ليندسي غراهام المعروف بتأييده الشديد لإسرائيل ومواقفه المتشدّدة حيال إيران وحزب الله).
ومن المُفترض أن يبدأ الوفد جولة على المسؤولين اللبنانيين اليوم وغداً، تُختتم بمأدبة عشاء يقيمها النائب فؤاد مخزومي، وتضم عدداً من الشخصيات السياسية، علماً أنّ أورتاغوس اجتمعت مساء أمس بوزراء ونواب في أحد المطاعم بمنطقة الجميزة، في إشارة واضحة إلى تنسيق واسع النطاق يسبق الاجتماعات الرسمية.
وقبل أيام على جلسة الحكومة المُقرّر أن تبدأ النقاش في الخطة التي طلبت الحكومة من الجيش اللبناني إعدادها قبل نهاية هذا الشهر لنزع السلاح، كشفت مصادر مطّلعة أن الجيش «يتكتّم على المراحل التي يحددها لتطبيق قرار الحكومة»، وأنه «أوصل رسائل بعجزه عن تنفيذها على كامل الأراضي اللبنانية بسبب نقص الإمكانات والقدرات». هذا من الناحية التقنية، أما سياسياً، فلا يزال الجيش «يصر على عدم الذهاب إلى مواجهة مع أي طرف في الداخل، ويشدّد على التوافق لتجنيب البلاد أي انفجار».
وبسبب الوضع الأمني الدقيق، وبعدما أصبح مؤكّداً أن بعض الجهات الداخلية والخارجية تسعى لإشعال الشارع، اضطر الثنائي حزب الله وحركة أمل أمس إلى تأجيل وقفة احتجاجية ضد قرار الحكومة في ساحة رياض الصلح، كانت مُقرّرة غداً الأربعاء، دعا إليها بيان مشترك للمكتب العمالي المركزي في حركة أمل ووحدة النقابات والعمال المركزية في حزب الله، «استنكاراً للقرارين الصادرين عن الحكومة بتاريخ 5 و7 آب 2025، اللذين يتعارضان مع المصلحة الوطنية العليا، ووثيقة الوفاق الوطني، وصيغة العيش المشترك، وتأكيداً لحق لبنان في الحفاظ على سيادته، وحق شعبه ومقاومته في الدفاع عن أرضه وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي».
وعلى عكس ما حاولت بعض القنوات الإعلامية المرتبطة بالرياض وواشنطن ترويجه، بأن التأجيل كان بسبب عدم حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري للتظاهرة، أوضحت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أن السبب يعود إلى عدة عوامل، من بينها اتصالات أجريت مع الثنائي من قبل أصدقاء وحلفاء، شدّدوا على التريث نظراً إلى حساسية وضع الشارع واحتمال انزلاق الأمور إلى نتائج لا تُحمد عقباها.
كما أن دعوة حركة أمل وحزب الله كانت تهدف إلى تنظيم وقفة احتجاجية رمزية على مستوى العمال فقط، وليست شعبية واسعة، لكنّ التفسيرات الإعلامية خلطت الأمور وأضفت عليها حجماً أكبر، ما دفع الحركة والحزب إلى التأجيل، خصوصاً أنهما يعرفان أنّ عواقب أي انزلاق قد تؤدّي إلى ضرب الاستقرار.