الأخبار: فؤاد بزي-
يشمل التعطيل اللاحق بمجلس النواب مشروع قانون لإبرام قرض من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار مخصص لإعادة إعمار البنية التحتية المدمّرة بفعل العدوان الإسرائيلي.
تتحمّل وزر تعطيل هذا القانون كتلتا القوات والكتائب النيابيتان لأنهما، بالإضافة إلى بعض من يسمّون أنفسهم «مستقلين»، عطّلوا النصاب في مجلس النواب من أجل فرض قانون انتخاب بقياسات معينة. وسلوكهم هذا يدفع مشروع قانون القرض نحو مرحلة الخطر، لا سيما بعد زيارة قام بها وفد من المديرين التنفيذيين في البنك الدولي وإبلاغ لبنان أنهم قد يضطرون إلى إلغاء تمويل المشاريع المجمّدة.
بالنسبة إلى القوات اللبنانية والكتائب وعدد من المستقلين، يبدو أن تحصيل الأصوات في دوائرهم الانتخابية، وخاصة أصوات المغتربين، في الانتخابات النيابية المقبلة أهمّ من إعادة إعمار البنى التحتية.
ربما لأنّهم غير معنيين بالأثر المباشر للاعتداءات الإسرائيلية، أو ربما لأنّهم يصنّفون أنفسهم، عمداً أو عن غير قصد، في خانة تعزيز الحصار على هذا المجتمع والمشاركة في الحرب المفروضة عليه من العدو، وذلك عبر منع الإعمار والإنماء ورفع آثار الحرب. فإلى جانب العدوان اليومي المستمرّ منذ سنتين، سيدفع سكان المناطق المدمّرة ثمناً سياسياً من خلال تعطيل إقرار القرض الموجود في الهيئة العامة للمجلس منذ 29 أيلول 2025.
إذاً، مرّ 44 يوماً على وصول مشروع القانون إلى المجلس، ولم يقرّ بعد. والبنك الدولي لم يمنح الدولة اللبنانية مهلة مفتوحة للموافقة على القرض. بمعنى آخر، الأموال المخصّصة للبنان في هذا القرض معرّضة لخطر نقلها إلى اعتماد آخر أو ربما الإلغاء التام.
«هناك وقت محدّد، وإن لم تؤخذ الأمور على محمل الجد يحتمل أن يؤدي التأخير إلى الإلغاء أو نقل الأموال»، هذا ما قاله صراحةً مدير مكتب البنك الدولي في لبنان إنريكي أرماس لدى سؤاله عن مصير القرض في حال حصول المزيد من التأخير في مجلس النواب لإقراره، فيما وصف وزير المال ياسين جابر التأخير الحاصل بـ«ضياع الفرصة». وهنا يمكن وصف تصرفات النواب المعطلين بـ«اللهو بمصالح الناس». فبسبب اعتراضهم على عدم إدراج بند تعديل قانون الانتخاب على جدول أعمال مجلس النواب، يخاطرون بحرمان شرائح واسعة من اللبنانيين من إعادة تأهيل البنية التحتية في مناطقهم.
من جهة ثانية، ورغم «هزالة» المبلغ الذي سيأتي به قرض البنك الدولي مقارنةً مع إجمالي المطلوب في ملف إعادة الإعمار، إذ تصل قيمة القرض إلى 250 مليون دولار، بينما يقدّر البنك الدولي نفسه الأضرار بـ6.8 مليارات دولار، وأنّ إعادة الإعمار والتعافي يحتاجان إلى تمويل بقيمة 10.9 مليارات دولار، 6.25 مليارات دولار منها لقطاع السكن. إلا أنّ طريقة مقاربة إدارة الملف من قبل كتلة القوات اللبنانية والكتائب والمستقلين تشير إلى أنّهم لا يريدون رفع مظاهر الحرب عن الشرائح المتضررة، بل تأتي تصرفاتهم بمثابة استمرار للحرب، إذ يمعنون في ممارسة الكيديّة السياسية على الناس، وتدفيعهم ثمن خياراتهم السياسية.
ويذكر هنا أنّ إقرار القرض من قبل الحكومة كان الخطوة الجديّة الأولى منها في ملف إعادة الإعمار. وقبل هذه الخطوة، مرّ شهران من عمر الحكومة من دون أيّ خطوة في ملف إعادة الإعمار. وبعد إقرار المشروع لم تناقش الحكومة أيضاً أيّ مشروع يتعلق بإعادة الإعمار سوى الآلية المقترحة من رئيس الجمهورية جوزيف عون، والتي ترسم خارطة طريق دفع التعويضات للمتضررين، إنّما من دون تمويل أيضاً.
ويشير ملف القرض إلى أنّ الحاجات التمويليّة لإعادة إعمار البنية التحتيّة والخدمات الأساسيّة المتضرّرة مثل الطاقة والنقل والمياه والتعليم والصحة والخدمات البلدية وغيرها، تتجاوز قيمتها 2.4 مليار دولار. وما سنحصل عليه في القرض هو دفعة أولى من أصل 1.47 مليار دولار، هذا إذا أقرّ في مجلس النواب. وبذلك، يكون القرض بمثابة الجزء الأول من تمويل المشروع، على أن تسعى الحكومة بمساعدة البنك الدولي إلى استقطاب تمويل إضافي بهدف إكمال المبالغ المطلوبة.
وبحسب ما عُرض أمام مجلس الوزراء، وأُقرّ في أيلول الماضي، ستُستخدم أموال القرض لتأهيل البنية التحتية، وستطال أيضاً مشاريع تأهيل الخدمات العامة في المناطق التي تضرّرت بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير، وتمويل مراحل من عمليات معالجة الأنقاض لا تلحظها العقود التي جرى ويجري توقيعها من قبل كل من مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة واتحاد بلديات الضاحية الجنوبية.

