Site icon Lebanotrend

اجتماع باريس ورؤية الجيش: محطةُ دعمٍ في مسار دولي طويل الأمد (المدن)

ندى أندراوس –

قبل أيّام من موعد التئام لجنة الميكانيزم على المستويين العسكري والمدني، يستعدّ قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل للمشاركة في اجتماع باريس المزمع انعقاده في 18 كانون الأول الحالي، الذي تستضيفه فرنسا، ويحضره الموفد الرئاسي جان إيف لودريان، ومستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آن كلير لوجاندر، وتشارك فيه الموفدة الأميركية مورغن أورتاغوس، والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان. يُعتبر الاجتماع تحضيريًا للمؤتمر الدولي لدعم الجيش، ومن المتوقع أن يكون منصة تقنية لعرض حاجات المؤسسة العسكرية بشكل مفصّل، تمهيدًا لتحديد مستوى الدعم الدولي المستقبلي، على حد تعبير مصادر دبلوماسية لـ”المدن”. لكن حتى اللحظة لا يعول معنيون على ما يمكن أن يخرج به هذا الاجتماع، أو على الأقل ليس معروفاً ما الحدود التي يمكن أن يبلغها، والأهداف التي يمكن أن يحققها قائد الجيش في الاجتماع والتي يفترض أن تؤسس لمؤتمر دعم الجيش، ولأي دعم مستدام يواكب تطور المهام التي ينفذها الجيش وحاجاته. وذلك وسط استمرار التحفظات الأميركية ومعها السعودية على أداء الجيش في تنفيذ خطة حصر السلاح.

 

ما يحمله قائد الجيش إلى باريس
يحمل العماد هيكل رؤية شاملة للجيش تتضمن حاجاته الأساسية على المستويات البشرية، البرية، الجوية، البحرية، واللوجستية، وفق الرؤية المعتمدة لمواجهة التحديات الراهنة. ووفق المعلومات تتوزع الأولويات كما يلي: 
الأولويات البشرية
•    تأمين رواتب مناسبة ومستدامة للعسكريين.
•    ضمان الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك الطبابة، التعليم، والنقل.
•    الحفاظ على المعنويات ومنع هجرة الكفاءات المتخصصة، في ظل تراجع القدرة المعيشية ونزيف الخبرات المهنية.
تعزيز القدرات البرية والجوية والبحرية
– القدرات البرية: تطوير وحدات الانتشار السريع، صيانة وتجهيز الدبابات والآليات المدرعة، توفير الذخائر والعتاد الفردي، ودعم وحدات المشاة والقوى الخاصة.
القدرات الجوية: تزويد الجيش بالطائرات والطوافات والطائرات المسيّرة للمراقبة والاستطلاع، وتعزيز الدعم الجوي للوحدات البرية.
– القدرات البحرية: تعزيز وحدات الدوريات البحرية، مراقبة السواحل وحماية المنشآت الحيوية، وتجهيز وحدات بحرية للمشاركة في البحث والإنقاذ وحماية الشحن التجاري.
– اللوجستيات والإمداد
•    تأمين المحروقات والوقود، الصيانة الدورية، النقل والإمداد بين المناطق، ودعم العسكريين بالعتاد الشخصي والإمدادات الطبية والغذائية والإقامة أثناء الانتشار.
 

الأجواء المحيطة باجتماع باريس
رغم الأهمية الاستراتيجية لاجتماع باريس، تحيط به تحديات وتحفظات دولية واضحة، أبرزها التحفظات الأميركية والسعودية. هذه الأطراف تعتبر أن لبنان لم يحرز تقدمًا كافيًا في ملف حصر السلاح وتسليم السلاح غير الشرعي، وخصوصًا سلاح حزب الله،  على كامل الأراضي اللبنانية. ويُنظر إلى هذا الملف على أنه مؤشر حاسم للقدرة السيادية للدولة اللبنانية على فرض سلطة القانون والأمن، وهو ما ينعكس مباشرة على إستعداد المجتمع الدولي لدعم الجيش اللبناني ماليًا وتقنيًا.
إلى جانب ذلك، لم يُحدد بعد موعد نهائي للمؤتمر الدولي لدعم الجيش، ولا تم الاتفاق على حجم التمويل أو آلياته. هذا التأجيل يعطي إجتماع باريس الطابع التقني التحضيري أكثر من كونه إجتماعًا سياسيًا لتحديد الدعم النهائي، إذ يُعتمد على الاجتماع لتوضيح حاجات الجيش، وتحديد الأولويات، وإجراء مطابقة بين الاحتياجات العملية والقدرات المالية الممكنة من الدول الداعمة، بالاضافة إلى عرض ما حققه الجيش على مستوى خطة حصر السلاح والتحديات التي يواجهها والتي سيواجهها عندما يتحول عمله من جنوب النهر إلى شماله وعلى كامل الأراضي اللبنانية. 
في هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة لـ”المدن” أن واشنطن تصر على تقويم شامل لكل عناصر الاستراتيجية الأمنية والمالية قبل إتخاذ أي التزام ملموس، مع مراعاة عاملين رئيسيين:
1.    تقدم لبنان في ملف حصر السلاح: أي دعم طويل الأمد للجيش اللبناني يرتبط ارتباطاً مباشراً بقدرة الدولة على السيطرة على السلاح غير الشرعي وإعادة فرض سيادتها على كامل أراضيها.
2.    الجدوى الفنية للتمويل: يجب التأكد من أن أي دعم مالي أو تقني سيُوظف بشكل فعّال لتعزيز قدرات الجيش بشكل مستدام، لا كحل موقت، مع ضمان الشفافية في التنفيذ.
بالتالي، تؤكد المصادر أن إجتماع باريس يظهر في هذه المرحلة كمنصة تقنية أساسية تُتيح للجيش اللبناني عرض خطته التفصيلية وحاجاته، وفهم موقف الدول الداعمة، وفتح حوار حول الإمكانات والقيود، دون أن يُتوقع منه إنتاج قرارات نهائية أو تعهدات مالية ملموسة. وهو ما يجعل الاجتماع خطوة تأسيسية، يحدد مسار النقاش الدولي ويهيئ الأرضية للمؤتمر المستقبلي لدعم الجيش.

 

أولويات رئيس الجمهورية
هذا الحراك، يواكبه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وهو يضع تمكين الجيش وتعزيز قدراته الوطنية في صلب أولوياته، معتبرًا أن أي نقاش حول حصر السلاح بيد الدولة أو استعادة هيبة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، لا يمكن أن ينجح من دون قدرة فعلية للجيش على القيام بكامل مهامه، من ضبط الحدود إلى حفظ الأمن الداخلي وحماية الاستقرار الوطني.
يعتبر الرئيس عون أن دعم الجيش يتطلب مقاربة طويلة الأمد ومستدامة تشمل القدرات البشرية واللوجستية والعملياتية، وأن أي تقدم في ملف السيادة أو حصر السلاح مرتبط بوجود جيش قوي، ممسوك القرار، وقادر على الانتشار والضبط من دون فراغات أمنية.

 

أبعاد المؤتمر الدولي المستقبلية
يُتوقع أن يشكل إجتماع باريس الأساس لتطوير مسار الدعم الدولي طويل الأمد للجيش اللبناني. وتفيد المعلومات أن هناك حاجة لتطويع أكثر من 10 آلاف جندي إضافي لملء الفراغات وتعزيز الانتشار، خصوصًا بعد إنهاء مهام اليونيفيل نهاية العام المقبل، مع بحث إمكانات إنشاء قوة متعددة الجنسيات تحت مظلة أوروبية أممية، وتعزيز انتشار وحدات إضافية للجيش.
حتى الآن، لا توجد مواعيد مؤكدة أو قرارات نهائية بشأن مؤتمر الدعم الدولي، بانتظار نضوج الظروف السياسية والفنية قبل حسم التفاصيل.

ما يُحتمل أن ينتج عن إجتماع باريس
تكشف مصادر دبلوماسية لـ”المدن” أنه إذا نجحت جهود الوساطة والتحضير، فقد يفضي إجتماع باريس إلى:
•    انطلاق عملية تنسيق فني لوجستي سياسي مع الدول الداعمة لتحديد إطار مبدئي للدعم العسكري المؤسسي.
•    إعادة إطلاق ملف زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، والتي يمكن أن تُترجَم إلى ضمانات دعم ملموسة إذا توافرت ضوابط واضحة من لبنان حول حصر السلاح.
•    تجهيز قاعدة أولية لتنفيذ خطة الجيش: مزيد من التجهيزات، تعزيز الانتشار، تحديث القدرات، وتثبيت الاستقرار المؤسسي.
في المقابل، إذا بقيت التحفظات الاقليمية والدولية على حالها، أو لم يتحقق تقدم كافٍ في ملف حصر السلاح من وجهة النظر الخارجية، فقد يظل الاجتماع بلا نتائج فعلية، أو يقتصر الدعم على مساعدات موقتة أو محدودة، ما يعكس محدودية المسار الدولي لدعم الجيش في المرحلة الحالية.

على أي حال، يشكل إجتماع باريس محطة تقنية محورية يقدّم خلالها الجيش اللبناني رؤية متكاملة لحاجاته العسكرية والتشغيلية واللوجستية والبشرية، وسط أجواء من التحفظ دولية. ويعول الجيش على أن يشكل هذا اللقاء خطوة تأسيسية قبل عقد المؤتمر الدولي لدعم الجيش، والذي يُفترض أن يوفر الموارد اللازمة لتأمين الاستقرار الوظيفي للعسكريين، الجهوزية العملياتية، وحماية كامل الأراضي اللبنانية برًا وجوًا وبحرًا، بما يعزز قدرة الدولة على فرض سلطتها وتحقيق الأمن والاستقرار الوطني.