حبيب البستاني-
بمناسبة عيد الاستقلال كان لافتاً طرح رئيس الجمهورية مبادرة خماسية للحل والتفاوض مع إسرائيل، وقد تضمنت المبادرة :
1- استعداد كامل لتسلم الجيش كافة المناطق المحتلة في الجنوب اللبناني.
2- سيطرة الدولة وحدها على كامل تراب منطقة الجنوب اللبناني، والتأكيد على حصرية الدولة في إدارة الأمن على الحدود.
3- جهوزية الدولة للدخول بمفاوضات مع إسرائيل برعاية أممية أو أميركية أو مشتركة لا فرق.
4- دعوة واضحة للدول الشقيقة والصديقة لمساندة لبنان في إعادة الإعمار، ووضع آلية وجدول زمني لمساعدة الجيش وذلك ضمن خطة وطنية لاحتواء السلاح على كافة الأراضي اللبنانية.
5- كل ذلك يأتي في إطار وضع رؤية جديدة واضحة لفتح الباب أمام تسوية دائمة تضمن الاستقرار في المنطقة.
ردود الفعل على المبادرة
لقد رحب كل اللبنانيين بالمبادرة الخماسية للحل والدخول بمفاوضات مع إسرائيل لخلق تسوية دائمة، إلا أن قلة قليلة منهم راحت تشكك بها واعتبارها غير كافية، وكعادته راح هذا البعض يذهب إلى حد التشكيك بالجيش اللبناني وقدراته في بسط الأمن واعتباره مقصراً لا سيما في موضوع بسط سلطة الدولة وتنفيذ حصرية السلاح. هذا وبعد أن كان الجيش يشكل خطاً أحمر لا يجرؤ أحد على تخطيه أو المس به، أصبح في نظر البعض مادة عادية للسجال السياسي بغية تسجيل النقاط وأداة لإرضاء الخارج، ولم تتوانَ بعض المطابخ السياسية المعروفة الأهواء والاتجاهات، والتي تتماهى معظم أهدافها مع توجهات وسرديات العدو الإسرائيلي من اعتماد أسلوب النميمة والوشاية بحق لبنان في الخارج ولا سيما بحق الجيش اللبناني. ولقد انعكس عمل هؤلاء الوشاة سلباً لتفخيخ وتعطيل زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، مما اضطر رئاسة الجمهورية إلى الإشارة علناً إلى الأعمال التخريبية لهؤلاء، وإذا كان رئيس الجمهورية قد امتنع من الدلالة على الواشين بالإسم فإن الجميع بات يعرفهم ويُشار إليهم بالبنان وكما يقال في الدارج ” ولاد الجاروفة معروفة “، ومن شبً على مهاجة الدولة وجيشها لن يتحول بين ليلة وضحاها إلى مدافع عنها.
الوشاة في الداخل والعدو في الخارج
وبعد اتهام بعض الوشاة للدولة والجيش بالتقصير جاء دور العدو الإسرائيلي ليزيد الطين بلة، ويقوم بتخطي مرة أخرى كل الخطوط الحمر والقيام باستهداف ضاحية بيروت الجنوبية، واغتيال أحد قادة حزب الله باعتبار أنه موجود على لوائح الإرهاب الأميركية والذي تم رصد خمسة ملايين دولار من الإدارة الأميركية لمن يدلي بمعلومات حوله. هكذا فإن جيش العدو يقوم بالقصف والاغتيال وكأنه يؤدي خدمة للأميركيين، ولكن المقصود من هذا العمل العسكري هو نسف مبادرة لبنان والرد بالحديد والنار على طلب رئاسة الجمهورية بفتح باب الحوار بغية الوصول إلى تسوية للصراع الحاصل بين لبنان وإسرائيل وهكذا فالدولة العبرية التي تنادي بالحوار مع لبنان إلا أنها تقوم بكل شيء كي لا يتمكن الجيش اللبناني من إتمام عملية حصر السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل تراب الوطن. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الوشاة بدأ يطالب الحزب بالرد بالقول “خلي يفرجونا شو بدهم يعملوا “. وهكذا يتناغم الموقف الإسرائيلي مع بعض الداخل المتآمر وذلك بغية جر البلد ولا سيما حزب الله إلى حرب غير متكافئة مع جيش الآحتلال، مما قد يعطي الذريعة للعدو بشن اعتداءات واسعة على لبنان.
أحلام اليقظة يبددها الواقع
من الواضح أن حالة الإحباط عند البعض دفعت بهم إلى تمني الحرب وإن كانت هذه الحرب ستجر الويلات على الجميع، فالحرب إن حصلت فإنها لن تميز بين فريق وآخر، وبالتالي فإن استدراج الحرب هو ضرب من ضروب الهبل السياسي إن لم نقل الإفلاس السياسي، وهو يشبه إلى حد بعيد أحلام الطلاب الغير مستعدين للامتحان فإنهم يمنون النفس بحصول الكوارث التي قد تؤدي إلى إقفال المدرسة. ولكن السؤال الكبير الذي يطرحه اللبنانيون هل ستؤدي التوترات التي تفتعلها إسرائيل إلى شن حرب واسعة على لبنان؟ صحيح أن إسرائيل تريد الحرب التي تمكنها من الإبقاء على احتلال أجزاء من لبنان وصحيح أيضاً أن بعض الداخل يريد الحرب، لأن ذلك باعتقاده سيأتي به إلى قصر بعبدا على ظهر دبابة إسرائيلية، ولكن الأحلام شيء والواقع شيء آخر، فأميركا التي تحاول بناء السلام في غزة والشرق الأوسط لن تقبل بعرقلة هذا الهدف، فحل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل فإن الولايات المتحدة تريده وذلك كثمن للاتفاقات الإبراهيمية مع المملكة العربية السعودية، التي يعتبرها الرئيس ترامب شريكاً اساسياً في عملية السلام. ولبنان مهما قيل فهو لن يكون خارج عملية السلام وأن إيران ليست بعيدة عن الأهداف الأميركية، وربما تكون الولايات المتحدة بحاجة إلى إيران قوية وذلك لأسباب استراتيجية قد تتخطى بأبعادها العلاقة مع حزب الله وغيره. وإذا كانت الدولة العبرية تستطيع تأخير السلام فإنه لن يكون بوسعها الوقوف في وجهه، وبالتالي فإن الرد بالنار على مبادرات السلام لن يدوم إلى ما شاء الله، وإذا كانت إسرائيل تمتلك بعض أوراق الحرب فإن أميركا وحدها تمتلك كل مبادرات السلام.
كاتب سياسي*

