Site icon Lebanotrend

أن تبقى مع الناس

الأخبار: ابراهيم الأمين-

لا يمكن لبلد منقسم إلى هذا الحد أن يقرأ أهله وقائعه بغير مراميهم. الذين يكرهون المقاومة وقادتها، وسرَّهم أن العدو قتل السيد حسن نصرالله، سيجدون في قواميس الحقد كل ما يحتاجون إليه للتقليل من شأن حدث الأمس. وسيكون مضيعة للوقت، لمحبي المقاومة وأنصارها، والذين فجعوا باستشهاد السيد حسن، أن يبحثوا في وسائل إفهام، وليس إقناع الآخرين، بأن المقاومة بخير.

 

المسألة ببساطة تتعلق بالناس. بهؤلاء الذين تحدّوا أمس منظومة عالمية ما كانت تريد حصول ما حصل.

 

هؤلاء الذين يعرفون أن في البلاد سلطة لا تهتم لأمورهم، ولا تهتم لأحوالهم، ولا تهتم لغاياتهم كمواطنين، وفوق كل ذلك، لا تهتم حتى لمشاعرهم، فتلجأ إلى تعامل مع تشييع أهم شخصية عرفها لبنان على أنه شأن حزبي.

 

يعرف القابضون على سلطة الحكم في لبنان اليوم أن المشاعر ليست فعلاً إنسانياً فقط، بل هي فعل سياسي بامتياز، ومن خاف المشاركة في التشييع، أو لجأ إلى البروتوكول التافه لتغطية موقفه السياسي، فهو لن يكون ضنيناً بأحوال ناس المقاومة.

 

ومن كان يهتم لأن يسمع من الأميركيين والأوروبيين وعربهم، بدل أن يصغي إلى صوت أهله، لن يكون مجدياً الرهان عليه في بناء بلد، أو محاولة بناء بلد. وعلى هؤلاء الحكّام أن يعرفوا أن من يتجاهل الناس ليس منهم، وهؤلاء أصلاً يعرفون أنهم لم يصلوا إلى مواقعهم بفضل علاقتهم بالناس، ولذلك، تصرّفوا مع حدث الأمس انطلاقاً من التزاماتهم مع من أتوا بهم إلى حيث يجلسون اليوم.

 

في المقابل، إن المقاومة سمعت ناسها يقولون لقيادتهم إنهم هنا، ليس فقط لوداع الأحبّ إلى قلوبهم، بل لتجديد الالتزام، بكل وعي وعقل، بهذه المسيرة، وهذا ما يجب أن تهتم به المقاومة، حتى ولو قررت الانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي داخل لبنان، أو إلى استراتيجية جديدة في العمل المقاوم.

 

في هذه النقطة، ليس على المقاومة أن تعتب أو تغضب لأن بقية أهل البلاد تصرّفوا بقلّة وفاء مع قائد كان لبنانياً أكثر من أي واحد فيهم، وكان وطنياً ومقداماً أكثر من أي زعيم آخر، وكان ملتزماً خيار الدفاع عن لبنان مهما كانت الكلفة عليه أو على أهله وحزبه، بل على المقاومة أن تفهم من درس الأمس أن هناك جمهوراً، يمثّل غالبية لبنانية واضحة، وهو جمهور يتجاوز حجمه من كانوا في الشوارع، خصوصاً أننا جميعاً نعرف حجم التهويل الذي مورس على ناس عاديين، في لبنان وخارجه، لتحذيرهم من أن المشاركة في تشييع السيد حسن سيكون لها ثمنها من أرزاقهم وقوت عائلاتهم.

 

وعندما تركز المقاومة على ناسها، وعلى جمهورها، فهي معنية هذه المرة بأن تفعل ذلك انطلاقاً من إدراكها أنها تمثّل ما يتجاوز بيئتها الطائفية أو المذهبية، وهو ما يفرض عليها الانطلاق في مرحلتها الجديدة من العمل الحزبي والسياسي، نحو إطار من التفكير والسياسات والأدوات، ما يتيح الاحتكاك الدائم بما يهمّ هؤلاء الناس.

 

وأن تكون كل المعارك المقبلة، من استكمال تحرير الأرض المحتلة، وتحرير الأسرى لدى العدو، واستكمال معركة إعادة الإعمار، والضغط لبناء آليات فعّالة لإدارة الدولة وعلاقاتها وموقعها.

 

انخراط حزب الله في العمل السياسي الداخلي وحضوره داخل السلطة لا يجب أن يمنعاه من التصرف على أن ناسه هم مصدر قوته وحمايته واستمراره

وهو إطار، يمكن لحزب الله اليوم أن ينطلق فيه، مغادراً كل المربعات السابقة، وأن يكون هو من يبادر إلى التخلي عن تحالفات زائفة، وعن علاقات مصلحية بدت كارثية في العامين الأخيرين، وأن ينفض عنه غبار التسويات المرّة، وأن يبحث عن حلفاء مستعدّين لتحمل المسؤولية من دون مقابل، وأن يختاروا الانخراط في معركة مع الاستعداد لتحمّل الأثمان مهما كبرت، وعلى حزب الله أن يكون واقعياً من جهة في فهم وقائع البلاد، لكن عليه أن يكون واضحاً مثل الشمس، في مقاربة التغيير الحقيقي الذي يحتاج إليه لبنان، ليس لحماية المقاومة والسيادة فقط، بل لحماية من بقي من أهل لبنان الذين يحضّر الأعداء لهم مسلسلاً من الفتن، وأياماً قاسية من الابتزاز في لقمة عيشهم.

 

للبنان ميزة دون كل بلاد العالم، وهي أنّك إذا كنت موجوداً في قلب الحكومة أو المجلس النيابي، فهذا لا يمنعك أن تكون موجوداً في الشارع أيضاً.

 

وليس هناك ما يلزم أي فريق بأن يقبل بقواعد سيحاول أهل السلطة الجديدة فرضها، باسم التضامن والتجانس والتناغم. بل يجب على القوى ذات التمثيل الشعبي أن تتصرف كل الوقت بأن لديها سلاحها الأمضى، وهو الناس، الذين يمكنهم لعب الدور الكبير لتعزيز موقع من يمثّلهم في إدارة البلاد.

 

لقد شيّع ناس المقاومة أنبل الناس أمس، وبكى الجميع على الفقد الكبير. لكنّ الناس هتفوا لمواقف تمثّل جوهر القضية الوطنية التي تمثّلها المقاومة كخيار.

 

لقد قال الناس إنهم لم يملّوا المقاومة، ولن يتوقّفوا عن لعب دورهم المباشر في حماية هذه البلاد. ومن المفيد أن يعرف الآخرون أن جمهور المقاومة يريد من قيادته المبادرة إلى أفعال وخطوات لا تشبه على الإطلاق ما قرّرته قيادة حزب الله الآن.

 

وجيد، أن يعرف خصوم المقاومة، في لبنان وخارجه، أن قيادة المقاومة لا تحتاج إلى جهد كبير لتعبئة ناسها إن هي قررت خطوة ما، في سياق استعادة أكيدة لسيادة كاملة على الأرض.

 

ما يرفضه خصوم المقاومة في الداخل من إقرار بالوقائع الصلبة التي أكّد عليها حدث التشييع، هو تحديداً ما يقرّ به العدو الذي يعرف معنى أن يكون الناس في الموقع الذي كانوا فيه أمس.

 

إسرائيل تعرف أكثر من غيرها معنى أن تتمكّن قوة تعرّضت لحرب قاسية وهائلة، من المبادرة إلى تنظيم حشد بهذا الحجم، وأن تدير عملية سياسية لا تقدر عليها دول، كما يعرف العدو أنه أمام قوة افترض هو أنها هُزمت وانهارت، لكنه يراقب بأمّ العين كيف تعمل من دون كلل على حفظ كرامة أهلها، والعدو نفسه يعرف أن المقاومة قادرة خلال وقت غير طويل على إعادة بناء القرى الحدودية، وأن تسهّل للناس عودتهم إلى قراهم ومنازلهم وحقولهم، سواء قررت الدولة اللبنانية القيام بدورها أو رفضت بحجج، أو بوضعها شروطاً تحاكي طلبات العدو.

 

الناس هم أصل الحكاية، وليس أمامنا سوى البقاء قربهم، نشرح لهم ما حصل، ونناقش معهم خطوات المرحلة المقبلة، ونشعرهم بأن شعار «إنّا على العهد» هو برنامج عمل سيكون قائماً، مهما تطلّب من أدوات تفكير وعمل جديدة.

 

وغير ذلك، ليس من طائل إزاء بقية القوم، من الذين حاروا وداروا أمس، قبل أن يسألوا مرة جديدة، ما الذي ستفعله إسرائيل وأميركا من أجلهم. هي حقيقة قاسية، لكنّ أهل المقاومة يعيشون في بلد فيه من يريد الشر لهم، لا أكثر ولا أقل!