Site icon Lebanotrend

أنقذوا الجامعة اللبنانية… فبها يُنقذ الوطن

د. إيلي لطوف أستاذ محاضر وباحث أكاديمي
كلية التربية – الجامعة اللبنانية

إلى دولة الرئيس نواف سلام،
وإلى وزير المال الأستاذ ياسين جابر،
وإلى وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي،

منذ تأسيسها عام 1951، لم تكن الجامعة اللبنانية مجرّد صرح أكاديمي، بل كانت وما زالت رمز العدالة الاجتماعية وجسر الصعود للطبقات المتوسطة والفقيرة نحو المعرفة والكرامة. من قاعاتها وُلدت أجيال من العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والحقوقيين الذين حملوا اسم لبنان إلى أرفع الجامعات والمراكز البحثية في الشرق والغرب.

ورغم العقود الصعبة التي مرّ بها الوطن من حروب وأزمات، بقيت الجامعة اللبنانية صامدة، جامعةً للوطن بأسره.
فبميزانية متواضعة لا تتجاوز بضع عشرات من ملايين الدولارات سنويًا، استطاعت أن تحافظ على مستوى أكاديمي مشرّف، وأن تثبت حضورها في التصنيفات العالمية مثل QS وTimes Higher Education، حيث برزت بين أفضل الجامعات في مجالات الهندسة والطب والعلوم الإنسانية.

وبحسب التقديرات الحديثة، بلغ عدد طلابها نحو 64,794 طالبًا عام 2023، في حين لم تتجاوز موازنتها الإجمالية 55 مليون دولار أميركي لعام 2024.
وللمقارنة، فإن بعض الجامعات الخاصة ذات الطابع الدولي في لبنان تستقبل نحو 9,000 طالب فقط، وتبلغ موازناتها التشغيلية السنوية مئات الملايين من الدولارات — إذ تشير وثيقة رسمية إلى أن موازنة إحدى هذه الجامعات الخاصة تناهز 202.6 مليون دولار.
هذا الفارق الهائل في التمويل يُظهر بوضوح حجم الظلم الذي تتعرّض له الجامعة الوطنية التي تخدم أضعاف هؤلاء الطلبة بإمكانات لا تكاد تُذكر.

ومع ذلك، فإن هذا الصرح استمرّ بفضل تفاني أساتذته وموظّفيه الذين يعملون في ظروف لا تليق بعطاءاتهم ولا بمستواهم العلمي. هؤلاء الذين يدرّسون في الخارج ويُكرَّمون في أرقى الجامعات العالمية، ما زالوا في وطنهم ينتظرون إقرار ملف التفرّغ الذي يعيد إليهم أبسط مقوّمات الكرامة والاستقرار الأكاديمي.

يا أصحاب القرار،
إنّ إقرار ملف التفرّغ ليس مطلبًا نقابيًا فحسب، بل قضية وطنية بامتياز.
فمن دون أستاذ متفرّغ لا بحث علمي، ولا تطوير للمناهج، ولا استمرارية لمستوى التعليم العالي الذي شكّل أحد أعمدة لبنان الحديثة.
ومن دون جامعة وطنية قوية، لا مستقبل معرفي ولا نهضة تنموية.

إنقاذ الجامعة اللبنانية هو إنقاذ للوطن.
وإقرار التفرّغ هو الخطوة الأولى نحو الإصلاح الحقيقي الذي يمكن لحكومتكم أن تُسجّله كإنجاز وطني يُعيد الثقة بالدولة، ويضعها في موقع المسؤولية التاريخية أمام الأجيال القادمة.

في بلدٍ عُرف عالميًا بذكاء أبنائه وتفوّق خريجيه، لا يجوز أن تبقى جامعتهم الأم تنتظر “رحمة” الموازنة.
فلبنان كان وسيبقى منارة في التربية والتعليم،
لكن من دون دعم الجامعة اللبنانية ستنطفئ تلك المنارة التي أنارت الشرق لعقود.

فليكن من أوائل إنجازاتكم أن تقولوا للعالم:
بدأنا من الجامعة اللبنانية… فأنقذناها، وأنقذنا معها لبنان.